خرجت إحدى المحطات الفضائية حديثا بآخر أطباء العصر ، والذي يمتلك ثقة كبيرة بنفسه ، ويزيد الناس إقناعا بروح من الدعابة وخفة الظل ، ويقدم وصفاته الشافية المعافية في لحظات . ومما يزيد الأسف أن مدعي الطب أردني ، ومن تساعده في مهمته أردنية هي الأخرى ، كانت تقدم برامج حوارية سياسية ، وانتقلت لسبب ما للمشاركة في برنامج مدعي الطب ، وغيره .
يتصل شخص ما يشكو من علة ما ، ويطلب محادثة " الدكتور " وتحيله المذيعة إلى " الدكتور " وخلال ثوان قليلة يعلمه صاحبنا أن علاجه شرب كأس من منقوع السلق مخلوطا بملعقة من العسل ليعود إلى كامل لياقته الطبية ، وأن عليه أن يقرأ كتابه حول الخلطات والأعشاب ، ويشير إليه بيده ، ويرفعه أمام الكاميرا ، ليستزيد من الصحة والعافية ، وليحصل على نسخة منه من مكتبة .. في جبل .. لتتصل بعده امرأة أخرى .. وتتكرر وصفات منقوع البابونج وملعقة العسل ، والإشارة إلى الكتاب القيم الذي لم يترك شاردة ولا واردة في عالم الصحة والجمال إلا وعرضها ، ولم يترك آفة أو علة إلا عالجها . والحق يقال أن في بعض الأحيان تتحدث المذيعة عن " الدكتور " المزعوم بصفته " خبير الأعشاب " لتعود بعدها لتلقي مكالمات ( أعتقد أن مصدرها الغرفة المجاورة ) ليحدثه متصل آخر بصفته " الدكتور " .
أسئلة كثيرة جديرة بالإجابة : ألا يعتبر صاحبنا مدع للطب ؟ ويجب إيقافه قانونيا ؟ ولماذا يزعم وأمثاله بأن كل ما نباتي هو شاف ومفيد ؟ ألا يستخدم سكان الغابات والأدغال الأفريقية وجنوب شرق آسيا وحوض نهر الأمازون وغيرهم سموما مصدرها نباتي ، لأنهم لا يمتلكون مختبرات كيميائية ؟ ألا يقضي الطبيب سنوات طوال على مقاعد الدراسة في كلية الطب ومستشفياتها قبل أن يسمح له بمعالجة أي شخص بعد اجتياز امتحانات دقيقة ؟ ألا يدرس ويطلع على كتب وكراسات بآلاف الصفحات ؟ ما بال صاحبنا يخرج علينا بكتاب يعالج فيه الجلد والعين والمعدة وغير ذلك من أمراض وعلل ؟ ألا تفقد الأعشاب والنباتات المعروضة مكشوفة عند البقال أو العطار فوائدها مع مرور زمن لا يعرف مداه إلا الله ؟ ألا تنتهي صلاحية حبة أو كبسولة أو حقنة دواء بعد مدة معينة رغم أنها صنعت وحفظت وفق معايير علمية محددة ؟ .
ألا يكفي المواطن ما يكابده من غلاء أسعار قائم ومنتظر ليأتي مدع ويضحك عليه ويسلبه ما تبقى – إن تبقى – في جيبه بقية من نقود ؟ .
haniazizi@yahoo.com