تنهيدة الناي .. *ناهض الوشاح
16-03-2014 01:28 AM
لم نلتقِ سوى مرتين ... في الأولى عندما جاءك المخاض اتكأتِ على جذع شجرة وقلتِ :ربّ هبني من لدنك ولدا صالحا ... حتى كتمتِ صُراخك في آخر حبة عرق تنساب على جبين يُذكّرني فيك كلما أبصرت وجهي في مرآة أراكِ ولا تأتي إلا بملامح حلم سرقني مني إليك .
حملتني القابلة إليك كعصفور سقط من عش أمه لا يستطيع الطيران... تلتهمه عيناكِ ولا يستطيع أن يلتهم حليب نهديك ... ذرفت ِدموعك بفرح لأن حلمك تحقق في جسد صغير نام على صدركُ كي يطير .
أُمارس الحياة بفعل ماض مكسور لم أتبرأ منه حتى عندما رأيتكِ في المرة الثانية قبل انطفاء الخريف بقليل ... كبرتِ ولم يكبر طفلك أمام كل الأمهات التي تشبهك حين لا نكون معا ،وحين أنادي كل النساء بنصف اسمك والنصف الآخر يظل مبللا بالشوق والنهايات المفتوحة.
عبق الذاكرة يمر على عجالة من تفتّح زهر اللوز ... ينساب في التفاصيل الصغيرة على مرأى من عيون الشتاء يُشيّعني لنهاية لقاء لم يملأني إلا بكثير من الترجّي ومُطاردة الظلال التي أعرفها ولا تعرفني في محطة لا أحد ينتظرني فيها .
مرتان فقط جعلت مني الوريث الشرعي لحزن يليق بنضوج ليس كل ما يُعلم يُقال وليس كُل ما يُقال قد آن أوانه ،(فالبعد تعرفه بالقرب والقرب تعرفه في الوجود) الذي ما زلته هناك بين يديك طفلا لم يقل إني عبد الله ... فقلتِ: ربّ لا تجعله شقيّا.
الشقاء ليس مهنتي ولكن عندما يبدأ الشوق باجتياز المسافة الفاصلة بين الألم والحنين أهرب من برد العالم إلى لحظة دفء واحدة أجفف فيها بلل الغربة .
ولدت مرة واحدة وأموت في غيابك ألف مرة حين تفرح الأمهات والأبناء لا يعبؤون بيوم يمسحون فيه الغبار عن صور مازالت عالقة في قلب حفظك كسورة الفاتحة فيها سرُّ القرآن الذي جاء بالبيان (فلا تقل لهما أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً جميلاً) .
ينتابني الدمع وأنا أحاول تذكّر حضورك في صحوي أو في حلمي ... في وجعي وحنيني
أحاول بكل ما أوتيت من غياب أن أتذكر حتى لو كان اسمي من صوتك ... لا أتذكر سوى وجه أمي التي ولدتني بدمعتين أشبه بمطر يحملني منها إليها أخفض جناح روحي وقلبي لأجمل الأمهات .