المحاسبون في الأردن ، بين سيطرة الجمعية وحلم النقابة !!
د. عادل محمد القطاونة
16-03-2014 01:16 AM
يبدو جلياً أن البعض الكثير كان ولا زال يعمل تحت مظلة أنانية الأنا ! وما جاءت فكرة الجمعيات والنقابات المهنية إلا لنبذ الأنا والإنتقال إلى إيجابية العمل التشاركي والجماعي الذي يكفل الإرتقاء بالأنا إلى النحن للتقدم لما فيه خير الأنا والنحن ولينعكس كل ذلك إيجاباً على الوطن والمواطن.
لقد عملت الجمعيات والنقابات ومنذ تأسيسها كحاضنات للمهن أو التخصصات تعمل على تنظيم أعمال أفرادها وتطويرهم وتحسين كفاءتهم والدفاع عن حقوقهم وإكسابهم المهارات الفنية المناسبة من خلال متابعة كل ما هو حديث ومتقدم في المهنة وبالتشارك مع مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المحلي ؛ أما مهنة المحاسبة في الأردن فالقصة من نوع مختلف !!
المحاسبون في الأردن من حيث العدد فقد تجاوزوا ال(100) ألف محاسب ، أما من حيث الأهمية فلا يمكن لأي منظمة كانت العمل دون وجود المحاسب ، أكاديمياً سجلت معدلات القبول في الجامعات الرسمية لتخصص المحاسبة المستوى الرابع بعد الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة وكان آخر معدل قبول لتخصص المحاسبة في الجامعة الأردنية ما يقارب من (96) على مستوى التنافس، مهنياً هم الأميز فشهادات المحاسبة متعددة ومجال التطوير والتحديث خصب فهنالك المحاسب القانوني والمحاسب الاداري والمحاسب الداخلي والمحاسب المالي وغيره من التخصصات الفرعية.
في غمرة هذه الاطلالات الشاعرية وفي خضم لحظات الفرح العارم لمهنة المحاسبة والمحاسبين تعود انانية الأنا لتطل برأسها لتعود بنا إلى المربع الأول ، كيف لا ؟ والمحاسبون يرزخون ومنذ سنين تحت وطأة جمعية أطلقت على نفسها تارة جمعية المحاسبين القانونيين وتارة أخرى جمعية المدققين القانونيين ! وترفض في كل يوم وليلة أن تضع تحت جناحيها أي مسمى لمحاسب عادي ولا يمكن لأعضائها تقبل فكرة النظر إلى الموضوع كفئات كما هو الحال في الكثير من النقابات المهنية !
لا يتجاوز عدد المحاسبين المرخصين الرقم (600) يشكلون أعضاء الهيئة العامة لجمعية المحاسبين القانونيين على مستوى المملكة علماً بأن الدراسات تشير إلى أن حاجة المملكة من المحاسبين القانونيين وإذا ما طبقت التشريعات ذات الصلة يتجاوز ال(6000) محاسب على أقل تقدير.
إن إصرار البعض على إجراء الإمتحانات التعجيزية أو التحزيرية قاد البعض إلى الإنسحاب الكامل من معادلة جمعية المحاسبين ! ولمن لا يعلم فإن القانون المؤقت لجمعية المحاسبين والذي قارب عمره العشر سنوات لا يجيز لحملة شهادة الدكتوراه في المحاسبة ولو كان في درجة أستاذ دكتور أو من حملة الشهادات الدولية (CPA. CMA. CIA, CFM) التفكير لبرهة في أن يكون عضواً في هذه الجمعية إلا بعد التقدم لإمتحانات المهنة التي رأى البعض أن رعايتها من قبل ديوان المحاسبة قد تضفي عليها شرعية لا غبار عليها !!
بالإنتقال للشق الآخر من طرف المعادلة المحاسبية يظهر الحلم الأكثر قبولاً لدى جمهور المحاسبين في وجود نقابة للمحاسبين بشقيهم القانونيين والغير القانوني تحت مظلة نقابة المحاسبين التي تتيح لجمع المئة ألف محاسب الإنضمام لعضويتها ضمن فئات معينة وضمن فكر منهجي يكفل الإرتقاء بمهنة المحاسبة.
إن أهمية نقابة المحاسبين الأردنيين تكمن في تنظيم مهنة المحاسبة في الأردن والإرتقاء بالمستوى العلمي والمهني للمحاسبين وضمان الإلتزام بمعايير الابلاغ المالي (IFRS) بما يساهم في حماية الاقتصاد الأردني وتعزيز دور المحاسب وتحسين المستوى المعيشي للمحاسبين والحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم وإنشاء الصناديق الاستثمارية أسوة بالنقابات المهنية الأخرى بما ينعكس إيجاباً على المحاسبين وعلى الإقتصاد الأردني.
لقد تنقل قانون نقابة المحاسبين خلال السنوات القليلة الماضية عبر أدراج العديد من الوزراء والنواب والمستشارين والمقررين، المحللين والمنظرين ، الأكاديمين والمهنيين بإنتظار الإفراج عنه رسمياً لإعلان ولادته تحت إسم قانون نقابة المحاسبين ، المدققين ، القانونيين وغير القانونيين، المدققين الداخليين والخارجيين ، حملة البكالورويوس والماجستير والدكتوراه في المحاسبة، حملة الشهادات المهنية والشهادات المتخصصة في المحاسبة، محاسبوا القطاع العام والقطاع الخاص أو أي تحت مسمى أو بند ، المهم في كل هذا وذاك أن نطلق العنان لفئة من أبناء المجتمع ترنو صبيحة كل يوم إلى رعاية أكثر ، إهتمام أميز ، عمل أقوى ، مصداقية أعلى لتتوحد الجهود وتنبذ الأنانية ونقدم لمؤسساتنا في القطاعين العام والخاص كوادر بشرية مؤهلة تسهم في ترسيخ مفهوم الإصلاح الاقتصادي.
أخيراً فإن عملية تطوير مهنة المحاسبة ومتابعة آخر التطورات في عالم المحاسبة على المستوى الدولي يعتبر من الأهمية بمكان على الاقتصاد الأردني وخاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن الأردن هو عضو في الاتحاد الدولي للمحاسبين (IFAC) وأن الأردن يعتبر من الدول المصدرة للكفاءات المحاسبية لكثير من الدول الشقيقة والصديقة كم أن الإستمرار في إغفال الدور الحيوي لنقابة المحاسبين الأردنيين قد يكبد الاقتصاد الأردني خسائر كبيرة فليس من المنطق أن يبقى المحاسب أداة بيد أصحاب العمل يتعرض للضغوطات النفسية والمادية وهو الأقدر على كشف مواطن القوة والضعف لأي منِشأة كانت ، وأن من الضرورة القصوى أن يدرك الجميع أن إستقلالية أعمال المحاسبة لا يمكن أن تكون دون وجود جهة تضمن حقوقه وتمكنه من أداء عمله بالشكل الأمثل.