من حق أي دولة عربية أن تبدي عتبها على أية دولة عربية أخرى ، ولكننا من موقع المحبة لأشقائنا العرب جميعا ومن منطلق الوقوف على مسافة واحدة من الإحترام والحرص على كل أبناء جلدتنا في بلادنا العربية ، نقول إن الخلافات بين الدول الشقيقة يجب أن تبقى دائما ضمن أطر الحوار المباشر وقنوات التواصل الدبلوماسية دون السماح لها أن تتفاقم وتصل إلى حدود قطع العلاقات أوسحب السفراء أو غير ذلك من الإجراءات التصعيدية.
لقد عانى العالم العربي عقودا طويلة جراء سياسات قطع العلاقات وسحب السفراء وتصعيد التوتر بين الأشقاء . وقد آن الأوان أن نضع حدا لهذا النهج في العلاقات العربية- العربية لأنه لم يخدم في السابق مصالح الأمة بل ، على العكس من ذلك ، فقد أضعفها وأسهم في تشرذمها وإضاعة حقوقها.
إن السياسة تقوم في الأصل على فن إدارة الخلافات ، ولايمكن أن تجد إتفاقا في الآراء والرؤى والتوجهات بين كل الدول ، لأن كلا منها ترى الأمور من زاوية معينة وتعالج الأوضاع بطريقة مختلفة. ولايمكن أن تنظر جميع الدول إلى كل الأمور من نفس زاوية النظر وتعالجها بنفس الشكل والأسلوب.
إن المصلحة تقتضي أن نعذر بعضنا بعضا وأن نراعى الفروق في وجهات النظر فيما بيننا ، وإذا كانت دول الإتحاد الأوروبي التي يجمعها إطار سياسيي قوي وفعال منذ سنوات عديدة لم تصل الأمور فيما بينها حتى الآن إلى حد إيجاد سياسة خارجية واحدة ، فمن الأولى أن تتمتع كل دولة عربية بهامش معين في معالجة قضايا السياسة الخارجية ، وفي توظيف علاقاتها العربية والدولية لخدمة مصالحها ومصالح الأمة من وجهة نظرها.
إن التحديات التي تمر بها المنطقة الآن تتطلب منا جميعا أعلى درجات الوحدة ورص الصفوف ، إذ أن الجميع مستهدف ، فإسرائيل وحلفاؤها يعتقدون أن هذه اللحظة التاريخية هي الأنسب لفرض الحلول المذلة والمهينة على العرب ، وهاهي سوريا تغرق بين فكي الدكتاتورية والتعطش للدم والتشبث بالسلطة من جهة وبين الإرهاب الأعمى من جهة أخرى ، أما العراق وليبيا فيأتيان في مقدمة صفوف المهددين بالتفكيك والتجزئة والتقسيم مع أن القائمة لاتتوقف عليهما فهي طويلة ولاتستثنى أحدا ، بينما تواجه دول الخليج العربي خطر الإجتياح والإبتلاع الإيراني وإستثمار شهر العسل الذي تعيشه إيران مع إميركا والغرب لتنفيذ الأطماع القديمة ، فهاهي البحرين تعيش على صفيح ساخن بسبب تدخلات الجار الإيراني الذي يواصل إحتلاله أيضا لجزر الإمارات الثلاث منذ عقود.
وإذا كانت الحكمة إقتضت إبقاء قنوات الحوار والتواصل حتى مع إيران المعتدية على الأرض والحقوق العربية ، فقد كان من الأجدى إن تبقى خطوط التواصل مع الدول العربية مفتوحة على مصراعيها أيضا بغض النظر عن التباينات والخلافات في وجهات النظر ، فلايمكن أن تكون الخلافات مع قطر مثلا أكثر من التهديدات والأطماع والمؤامرات المفتوحة التي لاتخفيها إيران ضد الدول العربية.
إن الأمل يراود كل الحريصن على مصالح الأمة أن تكون خطوة سحب السفراء التي قامت بها بعض دول الخليج العربي الشقيقة ضد قطر سحابة عابرة لن تطول أو تتطور إلى ماهو أسوأ لاسمح الله ، فليس لأحد مصلحة في ذلك فكلنا في قارب واحد والتحديات من حولنا تقتضي أعلى درجات التماسك والوحدة وتجاوز الخلافات وحلها ضمن القنوات الثنائية أو من خلال جهود الأشقاء .