الوضوح صفة محمودة.. يدعو لها الدين والاخلاق والتراث.. وهي شرط لبناء الثقة.
الصراحة راحة... والصدق نجاة..والمخبا بندوق.. البندقة تعني العبث في طبيعة الاشياء...اي الغش.. والغش صفة غير محمودة ترقى عقوبتها الى مستوى اخراج مرتكب الغش من الجماعة "من غشنا ليس منا"..

البندوق صفة تعطى لاي منتج من عناصر ومكونات غير التي يتوقع الناس انها تدخل في تكوينه.. ويفترض ان البندقة حرفة ومهارة يتقنها الصناع والحرفيون المتمرسون.. في بلادنا الكثير من المنتجات المبندقة وغير الاصيلة.. يتباهى الحرفيون بانتاجها ويلعبون بخصائصها ويتباهون بما يتحقق من نجاحات لتدخلاتهم.

بالبلدي عندما تريد ان تثني على شطارة وفذلكة احدهم تقول فلان بندوق ويعني ذلك انه قادر على المناورة وتجاوز المطبات التي قد تعترضه.. حديثا تم مأسسة البندقة في صناعة السيارات التي نسميها "الهايبرد" اي انها تحمل خصائص مختلطة كونها تعمل على نظام الوقود والنظام الكهرومغناطيسي.

البندوق هو الشخص الذي ابوه الفعلي غير ابيه الاسمي.. لكن المفهوم يستخدم مجازا بدلالات كثيرة معظمها لا تحمل غير مشاعر الدعابة والاشادة..

قبل اكثر من ثلاثة عقود ذهبت الى حراج سيارات طبربور ذات مساء في محاولة للبحث عن سيارة مستعملة لتلبي حاجتي للتنقل بعد ان اعياني الانتظار لاكثر من عام صرف السيارة التي دنت اقدمية استحقاقها للضباط من رتبتي ولم تصرف..

وبعد جولة قصيرة صادفت شابا لديه سيارة فولكس فاجن زرقاء اللون استهلكت لاكثر من 15 عاماً.. وقد قال لي في وصف محاسنها انها تسابق الريح ولا تحتاج لاكثر من تلحيسة بنزين في اعتى طلوع للتلال والجبال التي علينا ان نسلكها عندما نؤدي واجباتنا الاجتماعية في الاحياء الشرقية لعمان.

وقد حيرني الوصف.. كيف لا وانا قد امتلكت قبل ذلك سيارتين من نفس النوع ولم تكن أي منهما بنفس المواصفات مع ان احداهما احدث من صفقة اليوم بعامين والاخرى تكبرها بعام..عندها اجابني بس هاي السيارة مبندقة.. فتوقفت لبرهة عن الكلام بانتظار توضيحا اكثر لما قال البائع الذي يبدو انه ودني واحبني واراد ان يتمم الصفقة باي ثمن.

وبعد ادراكه لان استفساري لم يكن سوى سؤال استفهامي لا يحمل اي دلالة استنكارية توجه البائع الحذق الى ذيل الفوكس الزرقاء التي اخذ صوت محركها يعلو لدرجة حسبت اني امام احدى السيارات التي تستعد لدخول ميدان السباقات الدولية.. وقال تعال شوف ..الموتور اللي على السيارة موتور باص.. يعني انتَ مشتري سيارة بقوة باص.

اعجبتني الفكرة كثيرا ليس للسرعة ولا لقوة الدفاع بل لان السيارة التي اشتريت ستكون غريبة وليس ككل السيارات.. دفعت المبلغ الذي طلبه صديقنا وركبت سيارتي المبندقة.. وعقدت العزم على انني ساطيل الشرح لمن يسألوني عن السيارة وثمنها... ساحدثهم عن معنى البندقة ومزاياها.. كانت السيارة تسير بسرعة لا يتوقعها من يشهد انطلاقتها.. ولم يكن شكلها وحجمها يقنعانك بان الصوت الذي تسمعه قادم من محركها.. فتجدك تتلفت يمينا وشمالا باحثا عن مصدر اخر للصوت الذي ينبعث من محرك الباص الذي اكسبها السرعة في الانطلاق الى جانب الضجيج الذي اخرجها عن نعومة اصوات مثيلاتها من الفوكسات التي انتشرت في اسواق وحواري المدن والقرى قبل ان تتوالد الكيا والهونداي وتتكاثر بمتوالية هندسية.

الاصالة صفة محببة لكنها لا تلفت النظر كونها متوقعة وتأتي في السياق الطبيعي للاشياء
لكن البندقة اختراق للقواعد التي الفها الناس واعتادوا على التقيد بها واحترامها..في بعض الحالات تكون البندقة مثيرة ومسلية ومطلوبة.. فالبندوق هو الاقدر على التغلب على كل البسطاء.. مثل سيارتي التي استطاعت ان تسبق كل بنات جيلها التي احتفظت بمحركاتها الاصلية.. لقد تحملت سيارتي لمدة سنة واشهر .. وبعدها لم اعد اتحمل سرعتها ولا ضجيجها فاخترت ان اعيدها الى الحراج ولم اجد من يلتفت لها لا بيش ولا بقديش.. إلى ان جاء الشخص الذي باعني اياها فاستردها بعد ان شكرته على حسن صنعها وعن ما قدمته لي من خدمات لا يقوى غيرها على تقديمها... ولما الح علي حول اسباب التخلص منها مع كل ما وصفت من محاسن... اجبته بصدق لقد فضحنا ضجيجها وكثرة سؤال الناس المستغربين لسرعتها وصوتها اللذين لا يتناسبان مع شكلها وعمرها.

ترى ما حجم البندقة فيما حولنا.. تصبحون على ما تحبون