التحقيق المهم الذي أجرته الزميلة منى شكري حول اللغة العربية، ونُشر في "الغد" بتاريخ 4 آذار (مارس) الحالي، هو بحق تحقيق يكشف عوراتنا اللغوية. إذ تبدو النتائج كارثية، وتقدم انعكاسا واقعيا لما بلغه التعليم لدينا من تراجع حاد، مع التبعات الخطيرة لذلك في مختلف تفاصيل حياتنا.
طلبة على مقاعد الدراسة، في المدارس والجامعات على حد سواء، لا يُتقنون القراءة والكتابة؛ أو بعبارة أكثر صراحة: أميون! ما يعكس حالة الانهيار التي بلغها نظامنا التعليمي الذي طالما كان قيمة امتاز بها الأردنيون، واعتدّوا بها.
حالياً، يقترب حجم ما يُنفق على التعليم سنويا من نصف مليار دينار. وهو رقم مرتفع، قياسا إلى إمكانات البلد، وإن بقي أقل من المطلوب وفق المعايير الدولية. والملاحظ أنه حينما كان التعليم في أحسن حالاته في الأردن، لم يكن حجم الإنفاق وقتها يقارن بما هو عليه اليوم.
بتحييد حجم الإنفاق كسبب لما نعانيه اليوم، يلزم البحث عن عوامل أخرى ساقتنا إلى هذه الأزمة التي امتلكنا تشخيصا وإدراكا لها منذ سنوات سابقة على تفاقمها، والوصول بالتالي إلى ما وصلت إليه الآن.
لكن الحلول بقيت مؤجلة، تماما كما هي الحال بشأن مشكلات وأزمات أخرى متعددة في الأردن؛ لكأننا نعشق التأجيل! فنكتشف دائما، إنما بعد فوات الأوان، أن الإهمال والتقصير الرسميين قد أوصلانا إلى مستوى من الأزمة يجعلنا نحتار في كيفية الخروج منها!
متى بدأت المشكلة؟ وكم يستغرق حلها؟
ظهرت المشكلة قبل أكثر من عقدين تقريبا. وحلها، بالتأكيد، يحتاج أيضاً وقتا لا يقل عن ذلك. لكن المهم أن نبدأ، علّنا نقطف تغييرا بعد عقد؛ فنتمكن من إصلاح التعليم وانتشاله من حالة الانحدار التي يدفع المجتمع ككل كلفها.
لا توجد وصفة سحرية تخفي الأعراض، وتعيد للتعليم أمجاده الغابرة. العملية طويلة ومضنية، لكنها ضرورة؛ وكلما تأخر بدء تطبيقها، تعقّد العلاج.
من المذنب؟
الجميع؛ بدءا من الأسرة، مرورا بالمعلم ومدير المدرسة، وليس انتهاء بالوزراء المعنيين؛ لاسيما وزراء التربية والتعليم ووزراء التعليم العالي. هكذا، يكون لنا أن نتخيل عددا كبيرا من المذنبين (إن لم نقل المجرمين) في بلدنا؛ لم يسرقوا ولم ينهبوا مالا عاما، لكنهم دمروا جيلا كاملاً، ولربما أكثر، حين لم يؤمنوا بحقه في التعليم، فأخرجوه إلى الحياة بلا حول ولا قوة، وإن كان قد أمضى قرابة عقد ونصف العقد على مقاعد "العلم"، لكنه غادرها "خريجاً أمّيا".
التعليم لا ينفصل عن الحالة العامة ككل. لكنه يظل الأخطر فيها، كونه الضمانة الوحيدة لمعالجة مختلف الاختلالات. وحين يبقى معطوبا مكشوف العورة، فلا بد أن يُضعف ذلك القدرة على علاج باقي المشكلات.
الحكومة الحالية تقدم أفكارا للعلاج، لكنها غير كافية، وتنطلق من تغيير مناهج الصفوف الأولى، وإجراء تقييم للمعلمين الذين هم بلا شك جزء أصيل من المشكلة. هذا إلى جانب إدماج رياض الأطفال في السلم التعليمي، لبدء الطفل التعلم منذ مرحلة عمرية مبكرة.
أساس التطور والبناء هو التعليم، ولا إصلاح شاملا من دون إصلاحه. والمتضرر من أحوال التعليم اليوم، على المستويين المدرسي والجامعي، هم غالبية الشعب، خصوصا أن الشباب يشكلون 70 % من سكان المملكة. فهل لنا أن نتخيل كيف سيبني هذا الجيل، وماذا سيبني، وسط ضعف إمكاناته ومهاراته؟!
الخشية أن نبقى نتحدث عن الأزمة فيما تعجز الخطط عن معالجة التشوهات. وواقع التعليم اليوم يحتاج إلى خطة إنقاذ وطنية، يكون الجميع فيها شركاء.
(الغد)