عندما شرعتُ في كتابة مقالي "لماذا غضبنا؟!" (والمنشور أمس)، توقفتُ عند الاختلاف في صيغة الخبر الإسرائيلي؛ بين تقارير إعلامية تشير إلى أنّ إسرائيل "تأسف لوفاة رائد زعيتر"، وبين إعلان رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، تحت قبة البرلمان (أول من أمس) اعتذار إسرائيل.
عدتُ إلى النسخة الإنجليزية من صحيفة "هآرتس"، لأجدّ أنّ الخبر هو إسرائيل "تعتذر" (apologize)، وليس فقط "تأسف" (regret) التي قد تُستخدم بمعنى الندم والاعتذار الأدبي. فاعتقدت أنّ الاعتذار هو الوصف الدقيق، واستخدمته في مقالي ذاك.
إلاّ أنّ الصديقين د. مازن ارشيد والزميل باتر وردم دخلا في حوار حول المصطلح المستخدم (على صفحتي في موقع "فيسبوك")؛ حيث أصرّ مازن على أنّه "تأسّفٌ" فقط. فعدتُ إلى الزميل والصديق د. حسن البراري، الخبير في الشؤون الإسرائيلية والملمّ باللغة العبرية، فترجم لنا الخبر الصادر مباشرة عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باللغة العبرية، وهو على النحو التالي:
"تأسف إسرائيل لوفاة رائد زعيتر، وتعرب عن تعازيها للشعب الأردني وحكومته. من أجل التزام إسرائيل باتفاق السلام مع الأردن، أشركت إسرائيل الحكومة الأردنية في عمان بنتائج التحقيقات الأولية، ووافقت على طلب الأردنيين تشكيل فريق مشترك للبدء بالتحقيق في الحادث".
إذن، هناك التباس مقصود في اللغة المستخدمة. إذ ذهبت صحف إسرائيلية إلى ترجمة العبارة بمعنى الاعتذار، فيما صحف عالمية اعتبرته تأسّفاً. ومن الواضح أنّ المصطلح (regret) مقصود بذاته، للتحايل على المسؤولية القانونية والأخلاقية لإسرائيل، بخاصة أنّ نصّ الاعتذار الإسرائيلي للأتراك استخدم مصطلح (apologize)، كما يخبرنا د. البراري؛ ما يعني وجود فرق كبير بين الحالتين.
ويشير قانونيون (استفتيتهم) إلى أنّ هناك فارقاً كبيراً في الدلالة السياسية بين الكلمتين؛ فـ(regret) تحتمل معاني كثيرة، وتخلو من أيّ تحمل للمسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية، فيما (apologize) تعني الاعتذار الصريح، مع تحمّل المسؤولية.
يلخص جوهر الفرق الصديق المحامي سائد كراجه، بقوله: "التأسف هو أقرب إلى قول (أتمنى لو أن ذلك لم يحدث)؛ وهو تعبير أدبي، لكن بلا أيّ عواقب قانونية أو مسؤولية مترتبة عليه. أمّا الاعتذار، فهو بمثابة الاعتراف (ذلك كان خطأنا، وكنّا نتمنّى لو أنّه لم يحدث)"!
على كلّ حال، وكما يرى قانونيون، فإنّ إسرائيل لم تكن لتقدّم اعتذاراً صريحاً (بأبعاده القانونية والسياسية) عن الحادثة، قبل أن ينتهي التحقيق، وهذا صحيح. ولن نقع في أيّ وهم بشأن التحقيق؛ إذ لن يكون، كما تعرفون، حقيقياً وجدّيّاً. لكن في المقابل، ولأننا نتحدث عن "وثيقة تاريخية" وتصريحات لرئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية تحت قبة البرلمان، فإن من الضروري أن يوضّح لنا رئيس الحكومة، بصورة دقيقة، نص الخطاب الإسرائيلي الذي وصله باللغة الإنجليزية، وأن يقارنه باللغة العبرية، وتتم مشاورة الخبراء القانونيين لدى الحكومة.
مرّة أخرى، ذلك التأسف أو الاعتذار لا يعنيان شيئاً لدى الأردنيين. ولا نريد أن نقع في أتون المثل العربي "بين حانه ومانه ضاعت لحانا". فما يهمّ المواطنين هو ما يترتب على هذه الجريمة من عقوبات وتداعيات على الجانب الإسرائيلي، وأن يأخذ الجانب الأردني القضية على أعلى درجات الاهتمام والمسؤولية، فتنتهي إلى نتائج واقعية!
الخبر الأسوأ هو ما يطالعنا به المحامي والنائب السابق، مبارك أبو يامين، إذ لا يتأمل بأي نتائج في التحقيق المشترك المزموع، لأنّ إسرائيل تخلّصت من قرائن الجريمة مباشرة، سواء في دفن الشهيد، أو تغيير مسرح الجريمة، وأخيراً زعمها بتعطّل كاميرات المراقبة، أي أنّ المسألة لا تعدو شراءً للوقت وتنفيساً للاحتقان!
الغد