خسارة عزاؤها الانتصار للوحدة والكرامة .. !
حسين الرواشدة
13-03-2014 02:40 AM
وفاة الشهيد القاضي رائد زعيتر على يد الجنود الاسرائليين كانت خسارة كبيرة لا تعوض، وهي بالتأكيد جريمة بشعة لا يجوز السكوت عليها، لكن اسمحوا لي -وسط موجة الغضب المشروع التي اجتاحتنا جميعا - ان ادقق في الصورة من زاويا اخرى، لا اقول من اجل “استثمار” الحادثة لمصلحة تعويض هذه الخسارة ،وانما من اجل استدراك ما وقعنا فيه من اخطاء وارتباكات حين تفاجأنا بما جرى ،ومن اجل رؤية الجانبين الابيض والاسود من صورتنا التي تشكلت في الايام الثلاثة الماضية.
ان شئت الدقة ،فما اقصده هو ان ما جرى بقدر ما كان جريمة وفاجعة ،فانه ايضا كان مناسبة لتذكيرنا بحقائق عديدة نعرفها لكن ربما غابت عنا ،ومن واجبنا بالطبع ان نستلهم منها ما يفيدنا ويقوي عزيمتنا ويداوي جراحاتنا ويرد جزءا من كرامتنا التي خرجنا للدفاع عنها ، بدل ان نظل ندور في دائرة التلاوم والشكوى ،او ان تأخذنا مصيبتنا الى مصائب اخرى، او ان ننسى العدو الاصيل وننشغل ببعضنا بعضا.
في اطار هذه الصورة يمكن ان نلاحظ بان الحادثة اعادت الحيوية الى مجتمعنا، وجددت فيه نوعا من العزيمة التي تخيل البعض انه ودعها الى غير رجعة،واذا كان ما حصل من ردود فعل حكومية او نيابية هو جزء من الواجب المطلوب ،فان هذه الردود-رغم تحفظاتنا على وزنها وسرعتها - مدينة لغضبة المجتمع الذي استنفر قواه الحية للاحتجاج على الجريمة،وبالتالي فاذا كنا خسرنا احد ابنائنا فان مجتمعنا الذي عبر عن افضل ما لديه من قيم الشهامة والوحدة والاخوة ربح في هذه الجولة، ليس فقط ضد الكيان الغاشم الذي يشكل عدونا الاول ، وانما ايضا ضد بعض الاوهام التي انتشرت في مجتمعنا وكادت ان تأخذنا الى طريق مجهول.
يمكن ان نلاحظ ايضا بان صورة تشييع الفقيد التي جرت في نابلس بحضور رسمي وشعبي مهيب،عكست العلاقة التي تربط الشعبين الاردني والفلسطيني على حقيقتها ،صحيح اننا كنا نتمنى ان نحظى هنا بهذا الشرف،لكن الصحيح ايضا ان الاقدار شاءت ان تعيد الى اعتبارنا ما غفلنا عنه سواء على صعيد قيمة الوطن او على صعيد مصير الناس فيه-احياء او امواتا- في وقت ما نزال فيه نتساجل حول الاوطان البديلة والاصيلة وحق العودة وغيرهما من تفاصيل العبث السياسي،لا تحتاج الصورة الى مزيد من الشرح لكنها ترد على كثير من الهواجس التي تراودنا، وتجسد بعفوية معنى ان تكون اردنيا وملفوفا بالعلم الاردني،سواء كنت من نابلس او في عمان.
في الاطار نلاحظ ايضا بان (الكرامة) كانت الحاضر الاكبر في مشهدنا العام، فالناس الذي غضبوا لمقتل الشهيد حركهم وازع الانتصار لكرامة بلدهم اكثر مما حركتهم مشاعر الحزن على الفقيد،وهم ايضا توجهوا بالغضب تجاه حكومتهم ومجلس نوابهم قبل ان يتوجهوا ضد الصهاينة القتلة،والكرامة هنا معركة ومشروع، انتصرنا في المعركة - قبل 46 عاما - لكن لا بد ان ننتصر في المشروع ،وهذا ما عبرت عنه صحوة المجتمع في الايام الماضية وما يجب ان تصل رسائله للجميع، لان الكرامة كما قلت اكثر من مرة وطن له ذاكرة يقيم فيها بلا خوف من ان يشطب او يباع او ان تجتاحه اسراب “الجراد” ويصطاد في مياه نهره المبارك الشطار والسماسرة،فنحن بالتأكيد لم ننتصر في الكرامة الاولى لاننا الاقوى عددا او عدة، وانما لاننا الاقوى حقا وارادة، والاصلب شكيمة وتماسكا والاقدر على فهم ما يربطنا “بالتراب” لا “الزبد” الذي يخرج من تحت التراب، انتصرنا آنذاك لأننا توحدنا: الرأس مع الجسد، والشعب مع ذاته، والفكر مع السلاح، والتضحية مع السياسة. ويجب ان نتعلم دائما كيف ننتصر بالاصرار على هذه المبادئ لاننا من دونها او بغيرها سنخسر.
حين تدقق في الصورة ايضا تكتشف بان ما انجزناه ما زال متواضعا مقارنة بالامال والرغبات التي عبر عنها مجتمعنا بوضوح، صحيح ان الكيان الصيوني اعتذر وان التحقيقات ما تزال مستمرة ،لكن الصحيح ايضا ان خبرتنا مع هذا الكيان الاجرامي علمتنا بانه يتعامل معنا -ومع غيرنا ايضا- بمنطق الاستهانة والاستعلاء ،وبانه لا يرضخ الا لمنطق القوة،وبالتالي يجب علينا ان لا نتوقف عند الوعود والاجراءات والكلام الذي سمعناه وانما لابد ان تكون ردودنا حازمة وقوية ومؤثرة،وان تبقى ذاكرتنا مفتوحة على الحدث، فلدينا حق لا يجوز ان نتازل عنه ،ولدينا ورقة سياسية يجب ان نستثمرها لانتزاع مطالبنا ،ولدينا ظهير شعبي يجب ان نستند اليه في معركتنا السياسية مع هذا الكيان المغتصب.
نعم كانت خسارتنا باستشهاد القاضي زعيتر-رحمه الله - كبيرة ومفجعة ،لكن عزاؤنا في ذلك ما عكسته صورة مجتمعنا من قيم عزيزة افتقدناها واعتبارات كنا بأمس الحاجة اليها،صحيح ان ذلك كله لا يعوض حضور الفقيد بيننا لكنه بالتأكيد يعيد الينا ثقتنا بانفسنا ويطمئننا على اعتزازنا بكرامتنا الوطنية ويلهمنا ما يلزمنا من دروس للانتصار على اعدائنا وعلى ضعفنا ايضا.
الدستور