خلال الايام الماضية استغرقت بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المختلفة على الشبكة العنكبوتية لرصد ما استطيع حول قضية سحب سفراء السعودية والامارات والبحرين من قطر وما يدور حولها من أحاديث واخبار وتعليقات..
وصعقني ان اجد الانترنت وقد تحول إلى ساحة حرب الكترونية تشن فيها مليشيات الكترونية حربا ضروسا على قطر، تبث الشائعات والاخبار المزيفة والتعلقيات العدائية والصور الملعوب بها، في واحدة من اشرس المعارك التي عرفتها، ويجب ان اكون امينا واقول بكل صراحة ان الكفة كانت راجحة وبنسبة كبيرة للمليشيات الالكترونية السعودية والاماراتية ومؤيدي الانقلابيين المصريين الذين كانوا يقصفون بلا هوادة.
مقابل كل خبر قطري هناك 10 اخبار معادية ومقابل كل تعليق مئات التعليقات ومقابل كل صفحة الاف الصفحات، ومن يريد دليلا على ذلك عليه ان يدخل إلى صفحتي على تويتر ليعرف معنى ان تكون وحيدا في مواجهة جيش من المهاجمين، فلقد اثرت ان اخوض هذه التجربة بنفسي لقياس عنف الهجمة وسعتها وقوتها وامتداداتها.
شئنا ام ابينا فان المعارك حاليا تكسب في الإعلام قبل ان تكسب على الارض، وهذا ما جعل نظام الاسد الارهابي يشكل ما يسمى "بالجيش الالكتروني" الذي وجهة له بشار الاسد التحية، ليكون اول جيش الكتروني علني على المستوى العربي، خلافا لكل الدول الاخرى التي تملك مليشيات الكترونية دون ان تعلن عنها، وهدف هذه المليشيات "مخابراتية الطابع" هو متابعة مواطنيها وملاحقتهم وزجهم في السجون كما حدث قبل يومين عندما حكم على مغرد سعودي بالسجن لمدة 8 سنوات بسبب تغريداته على تويتر.
هذه المليشيات الالكترونية التي شكلت "حلفا شيطانيا" تعمل بدون كلل او ملل لـ"شيطنة" قطر، وتشويه صورتها، وضرب اقتصادها، وشن حرب نفسية على مؤيديها ومواطنيها، وتحريضهم على حكومتهم، وصولا إلى السباب والشتائم، ويكفي نظرة واحدة على النت لادراك مدى حجم هذه الحملة الشيطانية، الامر الذي يتطلب من الحكومة دراسة الوضع ووضع الخطط والاليات التنفيذية "للخروج من هذا المازق الكبير"، فقد ثبت ان قطر مكشوفة إعلاميا على النت وبطريقة تبعث على القلق.
لقد سبق ونبهت إلى هذه الظاهرة منذ عام 2010 وكتبت حينها ان الامارات والسعودية (دون ان اذكرهما بالاسم حينها) تتمدان إعلاميا بسرعة وتعملان على احكام سيطرتهما على الإعلام والفضاء الالكتروني وتعملان على تاسيس الفضائيات التي تكاثرت كالفطر والطحالب الذي يلوث الفضاء، وتشتريان صحف وصحفيين واقلام ومساحات اخبارية وبرامجية، وتكادان تحكمان سيطرتهما المحطات القوية والفاعلة، فهما تتحكمان بنحو 82% من السوق الاعلاني في العالم العربي "70% للسعودية و12% للامارات"، وهما يضخان اموالاً كبيرة جدا، ويكفي مثالا على ذلك ان ننظر إلى المشهد الإعلامي المصري، الذي تحول إلى عزف نغمة واحدة يقودها "مايسترو واحد"، وكذلك إلى رواتب المذيعين المصريين الذي وصلت إلى ارقام فلكية 14 مليون جنيه و11 مليون و7 ملايين وغيرها من الارقام التي لا تدفعها حتى الجزيرة لكبار مذيعيها.
هؤلاء المذيعون وغيرهم من الإعلاميين والصحفيين "يزمرون" لمن يدفع المال، وبالطبع فان السعودية والامارات تدفعان الكثير من المال، مما حول المشهد الإعلامي المصري إلى "جوقة" ضد الرئيس المدني الشرعي المنتخب الذي شن "حرب استنزاف" مهدت للانقلاب عليه، وبعد ذلك عمل هذا الإعلام كله "مزمارا" للانقلاب والانقلابيين وتحول المذيعون والصحفيون إلى "سحرة" يسحرون عيون الناس ويقلبون الحقائق ويبثون الاشاعات، يساعدهم في ذلك "جيش الخفاء" الذين ينظفون لهم الطريق على الانترنت والمواقع، والانتقال إلى التحشيد للزيف وصناعة النجومية الزائفة والاسماء اللامعة التي تتحول إلى "مسكرات او افيون" يقتات عليه الناس فيلعب بادمغتهم ومواقفهم ويهندسون خروجهم في مظاهرات حاشدة كما حدث في 30 يونيو الذي توج بانقلاب 3 يوليو.
نفس اللعبة يلعبونها مع قطر حاليا، فهم يشنون "حرب استنزاف" إعلامية عبر الفضاء التلفزيوني والتحشيد الافتراضي واللعب باعصاب الناس ونفسياتهم من خلال بث شائعات مثل " السعودية تمهل قطر 60 يوما.. السعودية ستغلق حدودها البرية مع قطر .. السعودية ستغلق مجالها الجوي .. السعوديون سيسحبون استثماراتهم من قطر .. الامارات ستوقف التعامل الاقتصادي مع قطر .. وفد قطري للاعتذار من السعودية .. مقاطعة قطر ستؤثر على تنظيم كاس العالم .. خفض معدلات الاستيراد والتصدير .. ايها القطريون لماذا تتعبون انفسكم، استمتعوا باموالكم واتركوا ما يجري في العالم العربي"، وهذه عينة من الشائعات والحرب النفسية التي اجتاحت الانترنت مؤخرا، وغالبيتها العظمى موقعة باسماء وهمية ومواقع مزيفة من الواضح انها تعمل ضمن حملة منظمة يساندها في ذلك مواقع سعودية واماراتية يكتب فيها كتاب "التدخل السريع" الجاهزون ل"الردح" مع تدفق الريالات والدراهم، ويكفي ان نقرأ مواقع ايلاف والشرق الاوسط والحياة مثلا لنتبين شراسة الحملة.
يكفي ان اشير إلى خبر "اطلاق سراح الراهبات المختطفات في سوريا" الذي تم عبر وساطة قطرية، وكيف تعامل معه إعلام "المليشيات الالكترونية" ببرود يكاد يصل إلى درجة الاهمال، مع ان هذا الخبر تصدر النشرات العالمية، وكيف كان هناك تعمد لتجاهل اسم قطر والتركيز على ضابط شرطة لبناني وتصويره على انه البطل الذي حقق الصفقة، ولو ان هذه الصفقة تمت بوساطة سعودية او اماراتية لسمعت مزاميرهم في القمر لشدتها ولولا وجود الجزيرة لتحول اطلاق سراح الراهبات إلى خبر صغير في نشرة عابرة في الفضائيات والمواقع التي يحتكرونها.
تحتاج قطر إلى إستراتيجية إعلامية جديدة، تؤسس لجيش الكتروني على غرار الجيوش الالكترونية الموجودة في العالم، فان تكون على حق لا يكفي لكي تنتصر، فالحق يحتاج إلى قوة وإعلام وانترنت يتصدى لقوى الظلام والضلال، فمن لا يملك ادوات الدفاع عن حقه يخسر، واستحضر هنا ما قاله لوط عليه السلام كما ورد في القران الكريم " متوعدا قومه "لو أن لي بكم قوة او اوي إلى ركن شديد" أي لنكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل كما ورد في تفسير ابن كثير.
اننا نركن إلى الله ناصر الحق دائما ونتوكل عليه ونعقل بعد التوكل باعداد العدة والاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة، وهذا يتطلب سرعة في الحركة وفعالية في الاداء وقوة في الطرح لمواجهة "تسونامي" العداء الالكتروني لقطر.