كلنا أبرياء وضحايانا هم المجرمون
18-02-2008 02:00 AM
طرأ في المجتمع الأردني خلال الأعوام القليلة الماضية حوادث وقضايا رهيبة عجيبة فرادى وبالجملة فاق عدد المصابين في إحداها الألف ضحية، فتارة نسمع عن حالات تسمم جماعية في مختلف أنحاء المملكة ولأسباب عديدة، منها:فساد المواد الغذائية الأساسية والتموينية وعدم صلاحية الأكلات الشعبية ووجبات المطاعم وتلوث مياه الشرب وحتى الأدوية التي من المفترض ان تقدم الشفاء وتعالج الأمراض لكن يا للغرابة فانه يجري التلاعب بها وفي صلاحيتها مما يؤدي لنتائج معاكسة تؤذي صحة المواطنين، وتارة نسمع عن حوادث سير او ما اضطر المراقبين المحليين لتسميته بـ" حرب الشوارع" وكان أكثرها ألماً ووجعا في نفوسنا وآخرها وليس آخراً حادث حافلة الثقة التي سقطت في وادي عميق على طريق جرش مما أودى بحياة ما يزيد عن 23 ضحية بريئة، في حين ان اغلب الحالات التي ظلت على قيد الحياة ترقد في المستشفيات في حالة عجز تام او جزئي.
وللتذكير ان هؤلاء لم يكونوا ذاهبين لساحة المعركة، وكما كنا نتمنى في استشهاد أبنائنا وانسكاب دمائهم الطاهرة دفاعاً عن ديننا الحنيف ووطننا العزيز أو أن خريف العمر ساقهم للاستجابة للقدر والمنية الطبيعية، بل ان قاتلهم هو رشاش السرعة والتهور والطيش، ومن بينهم ابن أخي الشاب المهذب المتفوق التوجيهي حمزة ابوالشيح الذي لم يفرح في نتيجته كأول على لواء الرمثا في تخصصه، في حين ما زال وسيظل! يعتصر قلوب والديه وذويه الألم والحسرة والحزن الشديد على فرقاه، لكن يبقى عزاؤنا وصبرنا الوحيد يتجلى في أخلاق المرحوم وخصاله الحميدة والحسنة وفي دعواتنا للخالق عز وجل بان يعوض المرحوم بفرحة كبرى وفوز عظيم لا تقاس بأي ثمن ويجعله من أهل الجنة إنشاء الله فهي النتيجة المبتغاة والمرضية لامتحان عظيم ربما يكون الشهادة عنوانه- والله اعلم- نتيجة ما يرتكبه المجرمون على الطرق وفي كافة الحوادث والقضايا تجاه المواطنين الأبرياء. ومن بينهم أيضا ابن أخي الآخر فالح ابوالشيح الذي ما زال يرقد على سرير الشفاء ينتظر رحمة الله عز وجل بان تستعاد ذاكرته وعافيته التي تضررت كثيراً.
إننا في هذا الموضع، نناشد أولى الأمر منا بأن يضعوا حدا لكل هذه الحوادث والقضايا التي تمس مشاعرنا وتدمي قلوبنا، فالمتسببين بهذه الجرائم لن تردعهم إلا عقوبات جذرية وصارمة تكون شدتها عبرة ورادعا للجميع. فهؤلاء هم المجرمون الحقيقيون،أصحاب الضمائر الميتة وضعاف النفوس والمتسببين بكل هذه المآسي والأحزان، وعلينا ان نضرب بأيدي من حديد لكل من يظلم ضحايانا وأسرهم ويسعى لبراءة غير مستحقة للمجرمين الحقيقيين المتسببين بهذه الحوادث، فمن جعل مثل هؤلاء الأشخاص يأتمنوا على أرواح الأبرياء من أبنائنا وبناتنا وهم ليسوا أهلا لها، ولا هم لهم سوى الكسب المادي! فكم اطفؤا أنوار البيوت من اجل ان تنار ملاهيهم وملاذهم ! وكم جعلوا الحسرة والحزن تخيم على عشرات الأسر البريئة والمطمئنة ! كم يتموا وشردوا وجعلوا الأطفال عرضة للجوع والمرض والتسول! وكم جعلوا النساء الحرات النشميات عرضة للنهش والاستوطاء من قبل أمثالهم! بلا شك ان ذلك نتيجة السكوت او التهاون مع مرتكبي هذه الجرائم .
وللأسف انه في أغلب الحوادث والقضايا لم نكن نعرف من هو المستبب او المجرم الحقيقي، ونتذكر مثلا في أزمة تلوث مياه المنشية كيف ان وزارة الصحة نفت مسؤوليتها عن التسمم، كما نفت ذلك وزارة المياه ونفت بلدية المفرق ومسؤولي سلطة المياه في المحافظة، فكان المجرم والمتسبب الوحيد لحالات التسمم هو المواطن لانه أراد ان يعيش اقصد ان يشرب المياه، كذلك في حادث حافلة جرش ، حيث خرج علينا مدير الشركة على إحدى الفضائيات ينفي مسؤولية شركته عن الحادث، وأشار بان الحافلة كانت سليمة ولم تتعطل أبدا، علما ان اخي والد المتوفي حلف له اكثر من مرة - في اتصال هاتفي مع البرنامج - انه اتصل بابنه المتوفي وسأله عن سبب تأخره واكد ان الحافلة تعطلت اكثر من مرة وما زالت معطلة منذ ثلث ساعة وقت الاتصال، ورغم اتصال شهود عيان وعدد من المصابين وتأكيدهم على عدم صلاحية الحافلة أيضا ، لكن المفارقة ان مدير الشركة نفى وكذّب واستهزأ بمشاعر اسر الضحايا! فهو يعلم بالغيب وبكل شيء وقال:" ان معلوماتي المؤكدة ان الحافلة لم تتعطل، كذلك تأكيد مدير الشركة على كفاءة سائق الحافلة الذي كان يقود حسب ادعائه تحت سرعة اقل من 90 كلم بالساعة، في حين ان معلومات أخرى أكدت انه كان يسير بسرعة جنونية ويتعاطى المخدرات وتسبب بأكثر من خمسة جنح خلال السنوات القليلة الماضية، وانه لم يكن اهلاً وكفؤاً لقيادة الحافلة ومؤهله الوحيد بنظر الشركة السرعة الجنونية لجذب مزيدا من النقود ونفخ الجيوب بالأموال، على حساب أرواح أبنائنا وإخواننا الأبرياء، كما خرجت علينا تقارير إدارة السيرة والجهات الأمنية ووزارة الاشغال ووزارة الصحة بصلاحية البنية التحتية من شوارع وبالذات شارع صافوط الذي جرى عليه الحادث وتم الإشادة بخطة الطوارئ المحكمة التي إدارة الحادث، كذلك كفاءة مستشفى جرش وقدرته العالية على استقبال ضحايا الحادث، علما ان الواقع يشير لغير ذلك والمجال لا يتسع لاظهار عيوب كل هذه الجهات. كذلك الحال في الكثير من حالات التسمم الجماعي والحوادث الجماعية الأخرى، فانه حينما كانت تعلق الشماعة على احد الأطراف كانت العقوبة مادية رمزية وفي الكثير من الحالات لا تؤدي للسجن هذا اذا لم تتدخل الجهات والعطوات والمحسوبيات للملمة الموضوع والمسألة بعد ان يتفق الجميع على عدم تسميتها قضية ومشكلة، بحيث تظهر النتيجة دائما بان الكل غير مسؤول عما يحدث وان الخلل كان بمن يأكل ويشرب ويأخذ دوائه ويركب حافلة ويسير على الأرض ويتنفس الهواء.
عندها...استبيحكم عذرا بان أقول ان ما نعاني منه هو أزمة أخلاق ودين وانتماء، لانه حينما لا نعرف من المتسبب عن هذه الأعمال الإجرامية الجماعية البشعة؟ وحينما يعلن الشعب والمسؤولين والحكومة عدم مسؤوليتهم عن كافة القضايا والحوادث وعما يجري فانه لا يبقى الا ان نقول بان ضحايانا هم المجرمون...!
* إعلامي وأكاديمي سياسي
yousefaboalsheeh@hotmail.com