استشهد القاضي الاردني رائد زعيتر،الذي تم قتله بدم بارد،لمجرد انه رفض الاهانة في المعاملة من جانب جنود الاحتلال،الذين حاولوا اتهامه بالسعي لسرقة السلاح واستعماله.
قبلها غرق الشرطي الاردني الرقيب ابراهيم الجراح الذي كان يرافق مجموعة سياح اسرائيلية في منطقة شلالات،وكل الكلام عن التحقيقات لم يؤد الى نتيجة،برغم ان جثمان الشرطي ايضا عليه علامات تفيد انه قد يكون تعرض الى دفع من احد اعضاء المجموعة،ودم «الشرطي» ذهب قبل «القاضي»،فيالها من كرامة مصانة؟!.
الحكومة هنا تحت ضغط شديد بسبب القصة،ولايمكن تبريد القصة بتبني الرواية الاسرائيلية الاولية،ولا الاختباء خلف مصالح الاردن وكونه ليس «دولة عظمى» وغير قادر على توجيه رد فعل ضد الاسرائيليين.
الاردني اليوم،يتم اعتقاله في كل دول الجوار،ويتم ضربه في بلده،على يد الاشقاء،ويتم قتله ايضا،فتصير قصته قصة «دية شرعية» في نهاية المطاف.
اسرائيل لن تعتذر عن الحادثة.اسفت فقط،بكل سماجتها،وهي تأسف في الوقت الذي يأتي سياحها الى الاردن وكأنها تدعو الناس هنا الى الثأر،مادامت القصة قصة اسف وبضع كلمات يتم تبادلها دبلوماسيا بين العواصم والدول.
في حادثة السفينة التركية التي اعتدت فيها اسرائيل على ابرياء اتراك،وقتلتهم،تهربت اسرائيل من الكلفة،وفي نهاية المطاف قررت دفع تعويضات مالية لاهالي الشهداء.
كل مانخشاه ان تخرج اسرائيل وتفاوضنا غدا على دية القاضي،باعتبار ان لا امكان اكثر مما كان،وهذه قمة «التعهير» للقضية،اي تحويلها لاحقا الى قصة دية،كما تسرب اليّ من غير مصدر قال ان اسرائيل اذا اعترفت رسميا،ستعمد الى هكذا حل.
الجندي الدقامسة تم سجنه ومازال سجينا،لانه اطلق النار على طالبات اسرائيليات،ولانقارن هنا،بين الحالتين،لكننا نتحدث عن جنديين اسرائيليين يتوجب محاكمتهما وسجنهما والتأكد من انهما يقضيان العقوبة فعلا،هذا فوق الاقتراح الذي يتبناه كثيرون،اي اطلاق سراح الدقامسة في الاردن،بعد كل هذه السنين التي قضاها في السجن،والافكار في هذا الصدد كثيرة.
لماذا يحاكم الجندي الاردني ويتم سجنه،ولايحاكم الاسرائيلي ولايُسجن..هذا هو السؤال؟
احد المنتمين الى تيار «العقلانية» قال البارحة ان الاردن غير قادر على اتخاذ اجراءات تصعيدية ضد اسرائيل،فهي قد تستدرج هذا التصعيد الاردني من اجل الرد ورفع الحماية الدينية عن الاقصى،واستغلال الرد الاردني لاجراءات اخرى.جميل جدا!.
الكلام على صحته لم يمنع سابقا الملك الراحل من انقاذ حياة خالد مشعل،وتهديد اسرائيل بالمعاهدة،واطلاق سراح الشيخ احمد ياسين،من معتقله،وهذا يعني ان علينا ان لانبالغ في الهشاشة والضعف،الى هذه الدرجة التي تقول ان دمنا مستباح،وهويتنا السياسية مستباحة،واقصانا مستباح،وحقوق الاردن مستباحة،فوق حقوق الفلسطينيين.
هذا تبرير للتهرب من رد الفعل،وتوطئة للقول ان الاردن عاجز وضعيف،ومحاصر،واذا كانت ظروف الاردن صعبة،فهذا لايمنع من اتخاذ ردود فعل،والا ستصير القصة سببا في توتير الداخل الاردني ؟!.
هي جريمة بكل المقاييس،والمرونة الدبلوماسية التي نلمسها قد تعبر عن معادلات الاردن المتشابكة،لكنها تعبر من جهة اخرى عن هشاشة غير مقبولة ابدا،تمس كرامتنا فردا فردا.
لماذا لا نرد ولو باطلاق سراح الدقامسة،وانا متأكد ان اهل القاضي سيقبلون بهكذا صيغة سياسية ووطنية بحاجة الى جرأة وابداع،وقلب قوي ايضا؟!.
غير ذلك لايمكن ان نذهب بالتدريج الى لجنة تحقيق تقول ان اسرائيل مسؤولة،ثم ندخل في ملف التفاوض حول دية القاضي، فلا دية له اصلا،عند الشرفاء،واذا كانت هناك دية له،فهي بالنسبة لي ولغيري رد روح الحياة الى الدقامسة الذي مازال خلف القضبان.
نعيد التذكير اننا في حادثة مشعل لم نسكت،واذا كانت حادثة مشعل لها ملابساتها وظروفها،فان هذه الملابسات لا يمكن الا يستفاد منها،ويكفينا هذا الاجماع الوطني في الاردن على الموقف من الجريمة القابلة للتكرار مثنى وثلاث ورباع.
دية القاضي:رد الحياة الى شقيقه الدقامسة وهذا اضعف الايمان!.
(الدستور)