بدءاً، لنتفق ولو بشكل تقريبي على ان النخبة في مصر شأنها في أي بلد آخر هي نخب وليست متجانسة بحيث توضع في نطاق واحد سواء كان ايديولوجياً أو حتى رؤيوياً، ومن خلال رصد يعنيني على المستويين الشخصي والوطني للاطروحات، بل المطارحات السائدة الآن في العالم العربي وفي مصر بالتحديد حول القضية الفلسطينية وعلاقتها التاريخية والجدلية والاشكالية ايضا مع مصر، لاحظت أن هناك مثقفين مصريين أبرزهم ذوو تقربات من عمق علم الاجتماع السياسي يصححون بأمانة قومية واخلاقية بعض الآراء المنفعلة والمطبوخة فضائياً على عجل، ومنهم د. عمار علي حسن الكاتب والاكاديمي والروائي ايضا، والصديق نبيل عبدالفتاح المعروف باسهامات واسعة ومعمقة في الأديان والشجون السياسية المتعلقة بها.
ما استوقفني في هذا السياق بالغ الحساسية هو ما قاله د. عمار حسن حول فلسطين كقضية محورية وحول فصائلها، فالرجل قال بالحرف الواحد ان مصر كانت على امتداد تاريخها الحديث تدافع عن أمنها القومي الذي تقع فلسطين في العمق منه، وبذلك قام بتوسيع المفهوم وليس بتضييقه واختزاله، واضاف ان فلسطين اكبر من الفصائل على اختلاف مواقفها، وهو بذلك يقدم أطروحة علمية وسياسية وقومية مضادة لتلك التي يجري تصنيعها في مختبرات سياسية تحاول اعادة مصر الى الساحة السياسية المطلوبة منها أمريكياً واسرائيلياً، وهو اذ يرى بهذا التنظيم أو ذاك مجرد افراز سياسي قد يكون عابراً ازاء ديمومة القضية ذاتها فهو يرد بشكل غير مباشر على من يحاولون فرض هلال صغير من القمر على القمر كله وعلى السماء ايضاً.
هذا الخطاب بكل ما يرفده من مرجعيات اكاديمية وعلمية تتجاوز التفكير الانفعالي يجب ان لا نصمت ازاءه، فهو مؤهل بكل المقاييس ليكون الخطاب المعافى والذي لا يشكو من خلل بنيوي في نسيجه بحيث يرتهن لمناسبات أو مواسم سياسية.
ان مصر تدافع عن نفسها ودورها وعن مكانتها القومية من خلال هذا الخطاب مقابل ما تتعرض له من تصغير واختزال بحيث يراد لها ان تنكفىء داخل حدودها وان ترى في أي موقف فلسطيني تعبيراً شاملاً عن فلسطين والشعب الفلسطيني بأسره وأسراه معاً، والحرب الدائرة الآن منها ما هو طاف على السطح بكل ما يرشح منه من دم واعلام اعلاني مُنفعل، ومنها وهو الاهم ما يدور تحت السطح وهو فكري ومعرفي بعدة امتيازات في مقدمتها امتياز العبء الوطني المشحون ببعد أخلاقي.
فمصر القادمة والتي لاحت بشائرها في الافق بعد سُبات سياسي قسري يليق بها خطاب معرفي يدرك جدلية عبقرية الجغرافيا وعبقرية التاريخ معاً.
واذا كنا نرفض وباصرار اختزال مصر الرؤوم بعهد معين أو مرحلة عابرة فان الموقف ذاته يجب ان يتكرر لعدم اختزال فلسطين كقضية قومية وانسانية وشعباً بفصيل أو شخص أو موقف وهذا بالضبط ما تقع أطروحة عمار حسن في صلبه!
(الدستور)