كنا نتمنى لو يتنحى الرجال في الثامن من آذار كي تتولى المرأة الخطاب كله في يومها، لكن ما يحدث هو العكس، فالذكور ينوبون عن الاناث حتى في مناسبة مكرسة لهن، وكأن قدر نون النسوة أن تبقى دائما تحت رعاية ووصاية واو الجماعة، ففي روسيا مثلا وبعد الشوط الذي قطعته النساء في مختلف ميادين الحياة أعلنت احصائية مثيرة في هذا السياق هي ان ثلاثة أرباع الروس يفضلون ان تتفرغ المرأة للاسرة ولوظائف تقليدية تحرمها من المشاركة في العمل العام.
هذا بالرغم من ان الادبيات الماركسية اعتبرت اعتراف الرجل بحق المرأة في الحرية والعمل البارومتر الذي يقيس منسوب الوعي لديه، ونذكر ان المرأة كان لها نصيب حتى في ريادة الفضاء، وما يقال عبر وسائل الاعلام في مناسبات كهذه قد يقل عن نصف الحقيقة لأنه كلام متكرر واحتفائي ولا يقدم احصاءات دقيقة عن عدد ضحايا العنف الذكوري من نساء العالم وعن ملايين الاناث اللواتي يتعرضن للوأد عبر مختلف الصيغ في القارات المنكوبة بالتخلف والشقاء والذكورة الفجة التي تحاول احتكار الحياة كلها وليس التاريخ فقط!
وما نخشاه هو ان تقديم قائمة بأسماء نساء في العالم الثالث تولين مناصب سياسية ومنها رئاسة الدولة يخفي تحت سطحه حقائق أخرى بحيث يبدو هذا الأمر اقرب الى الترميز، تماما كما استخدم السود في وقت ما للهدف ذاته، بحيث يكون بروز افراد محدودين منهم ترميزا آخر، يبرر بقاء الاكثرية في الظلام.
في يوم المرأة، تحدث اغتصابات وانتهاكات للنساء، وثمة حالات اختطاف تتزامن مع هذا اليوم وهذا ما يحدث ايضا في يوم الطفل، حيث لا يشعر الملايين من اطفال الشوارع والمشردين بأن العالم يحتفل بهم، وكأن الزفاف بلا عريس.
لقد قطعت المرأة مراحل لكنها لم تحرقها لأن حريتها واستحقاقاتها مرتبطة باقتصاد وأنماط انتاج ومنظومة قيم وموروثات، بحيث لم يكن الاستقلال الاقتصادي للنساء كافياً لأنه محكوم بسياق حضاري وثقافي واجتماعي أوسع منه وأكثر نفوذاً.
إن تكريم الذكور للاناث في يومهنّ السنوي لا يختلف عن ازدراء المرأة وضربها واستعبادها ثم تعليق الذهب على صدرها وتحويل الأساور في معصمها الى قيود!
(الدستور)