ليس هناك ما يثير الابتسام أكثر من حكايات الأصدقاء الصحفيين العاملين في دوائر العلاقات العامة والإعلام في الوزارات والدوائر الكبيرة وفي القطاع الخاص أيضاً.دوماً كنت أراهم وانا صحفي في العزيزة (الرأي) يركضون معظم ساعات عملهم وحتى وهم في بيوتهم لارضاء مسؤوليهم من خلال قيامهم بإعداد خطاباتهم وكلماتهم لافتتاح المؤتمرات والندوات اضافة إلى متابعة وكتابة الاخبار العادية اليومية وارسالها إلى الصحف ووكالات الأنباء.
ان الرضا من المسؤولين وسماع كلمة الله يعطيك العافية، قلما تحدث مع انني اعتبر هؤلاء الزملاء صحفيين موهوبين على الرغم انهم غير مسجلين في نقابتنا.
وحكايات الأصدقاء العاملين في العلاقات العامة كثيرة مفرحة حيناً ومحزنة حيناً آخر وهذه حكاية من هذه الحكايات: ففي أثناء زيارة مهنية قمت بها لاحدى الدول الشقيقة، سلمني مسؤول العلاقات العامة فيها كلمة لأحد مسؤوليها المهمين والكبار كان في كل سطر منها ثلاث كلمات، فقلت له لماذا الكلمات كبيرة وبهذا الشكل المتباعد فرد عليّ مبتسماً: حتى يستطيع القاء خطبته امام الجميع ودون ان يستعمل نظارته الطبية، مضيفا ربما يأتي يوم نقوم بكتابة خطاباتهم على طريقة بريل للعميان؟!.
وقبل عدة سنوات سرني والحضور خطاب ألقاه مسؤول كبير لدى افتتاحه مؤتمراً علمياً كبيراً أيضاً، كانت الكلمات في هذا الخطاب أقرب من الشعر منها الى النثر، وقد عبرت عن اعجابي بخطاب المسؤول الكبير هذا بوكز مدير العلاقات العامة لديه بمرفقي لأهمس في أذنه: لو لم يكن هذا الخطيب مسؤولاً لكان شاعراً كبيراً..، ثم غرقنا في ضحكة خافتة طويلة لأن كلينا يعرف ان هذا المسؤول لم يكتب حرفاً من هذا الخطاب ومن كتبه مدير العلاقات العامة لديه والذي يجلس الى جانبي؟!.
وعندما انتهى ذلك المسؤول من القاء خطابه وسط التصفيق المتواصل تقدمت اليه وهو خارج من القاعة الكبيرة لأهنئه فقلت له: إن مواهبك الخطابية موضع تقدير واهتمام الصحافة..!.
وفي الاتحاد السوفياتي عندما كان سوفياتياً وبالتحديد في العام 1945 من القرن الماضي أبلغ الرئيس السوفياتي الأسبق آنذاك جوزيف ستالين مدير العلاقات العامة والإعلام لديه بانه سيلقي بعد اسبوع خطاباً تاريخياً وفي الساعة السادسة مساء، حينها جمع مدير مكتب الرئيس السوفياتي كبار الكُتاب والمعلقين الذين يعملون لديه لتحضير خطاب الرئيس، ثم بدأت الاذاعة اذاعة موسكو بالإعلان عن موعد الخطاب كل ساعة وعلى مدار اليوم، وفي اليوم الموعود سُلم الخطاب المكتوب جيداً من مدير مكتبه إلى ستالين فوضعه في جيبه ولم يقرأ منه شيئاً فقط قال: غداً.. سيلعب الأطفال في شوارع موسكو، أي أن الحرب العالمية قد انتهت..!!
وفي معركة الدهيشة 1947، ما بين الخليل والقدس وقرب مدينة بيت لحم تنادت القرى المجاورة ومنها بلدتي الولجة ، غربي القدس المحتلة 1948، للهجوم على قافلة صهيونية قادمة من كفار عصيون الى القدس وقد اختلف المناضلون الفلسطينيون حول من يلقي خطبة تشجيعية قبل وصول القافلة الصهيونية وعندما طال هذا الخلاف برز من الجمع شاب له صوت قوي فقال: طالق زوجته من لا يشترك في هذه المعركة.. عليهُم!؟