بدا تصريح المصدر الحكومي المسؤول حول أزمة دول الخليج الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) مع قطر، متوازنا وينم عن حكمة؛ ما لنا وخلافاتهم، وتحالفنا الوثيق مع الدول الثلاث لا يعني مجاراتها في كل شيء. علاقات الأردن مع قطر باردة ولا تُقاس بالعلاقة الحميمة مع شقيقاتها في مجلس التعاون، لكن ذلك لا يعني التضحية بمصالح أردنية مع قطر ولا مع غيرها من دول المنطقة.
كل من حولنا من دول وأنظمة تتصرف بانفعال، وتتبنى سياسات متهورة ومغامرة. بعض دول الخليج تخلط الحابل بالنابل؛ تساوي بين الحركات السياسية والجماعات الإرهابية. مصر تمر في سكرة ثقيلة، وتركيا في أزمة مع نفسها وجيرانها. سورية غارقة بالدم، وأطراف الصراع فيها ما تزال تشتهي المزيد منه.
منطقة مجنونة ومضطربة. وحده الأردن ما يزال قادرا على الاحتفاظ بتوازنه في علاقاته مع حلفائه وخصومه، وفي إدارة شؤونه الداخلية. إنها ميزة فريدة ينبغي عدم التفريط فيها مهما كانت المغريات.
لسنا مصر؛ النظام الأردني لا يواجه أزمة شرعية كحال القيادة العسكرية المصرية، وليس بينه وبين الإسلاميين خصومة دم، أو تنافس على السلطة. الإسلاميون في الأردن، وكما ردد الملك عبدالله الثاني أكثر من مرة، جزء أصيل من النسيج الوطني الأردني. ووجودهم داخل العملية السياسية أو خارجها لا يغير من قواعد اللعبة في البلاد.
عمان العاصمة العربية الوحيدة التي يتواجد فيها، وفي الوقت نفسه، بهجت سليمان وأحمد الجربا.
والأردن من الدول القليلة في المنطقة التي يزورها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
في الأزمة السورية نتأرجح على حبل رفيع؛ نأمل أن لا نقع، وأن نصمد قدر المستطاع في وجه الضغوط والإغراءات. لو كان خلاص سورية بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك، لقلنا هيا إلى دمشق من بوابتها الجنوبية.
لكن القيادة الأردنية تدرك أكثر من كل الأطراف أن مصير السوريين صار معلقا بصفقة دولية. دعم هذا الطرف أو ذاك لا يغير في المعادلة، ولا يعني سوى المزيد من الضحايا الأبرياء.
ثورات "الربيع العربي"، وما يحصل في سورية تحديدا، أفقدت دولا وزنها، وحكاما صوابهم؛ بينما ظل الأردن قادرا على التكيف مع كل التحولات، ومحتفظا بقدر كبير من الحكمة والعقلانية.
يمكن للمرء أن يشعر بالإحراج الذي يواجهه الأردن بعد قرار الحليفين المصري والسعودي اعتبار جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية. لكن يتعين على البلدين الشقيقين أن يتفهما الخصوصية الأردنية، وحساسية المعادلة الداخلية، لا بل وأن يستخلصا العبر من سيرة الأردن وتقاليده في التعامل مع قوى المعارضة.
لنجعل التجربة العملية هي المعيار للحكم على نجاعة خياراتنا أو خياراتهم في السياسة. لسنا بحاجة للانتظار لنصل للجواب؛ فقد أثبتت سنوات "الربيع العربي" الثلاث، وما سبقها من عقود، أن الأردن حافظ على استقراره وتجنب نظامه الصدام مع الشارع، بفضل سياساته المتوازنة، وحكمته في إدارة الصراع الداخلي، وصياغة تحالفاته الخارجية وفق قاعدة المصالح. بينما غرق الآخرون بفعل سياساتهم المتفردة والدموية.
لا يصلح المثل الشعبي القائل "إذا جن ربعك عقلك ما بنفعك". لا يناسبنا هذا القول أبدا. "الربع" من حولنا يكادون يجنون فعلا، ومن يجاريهم في جنونهم سيغرق معهم. مصلحة الأردن أن يبقى كما هو، حتى لو كان العاقل الوحيد بين مجانين.
(الغد)