الحكم الإجمالي على الكتل النيابية حتى الآن، هو أنها (كما كانت دائما) هشّة وهلامية، وبلا دور حقيقي. أي إن تغيير النظام الداخلي لمجلس النواب لم يؤد الغرض المنشود؛ بتقوية الكتل، ومأسسة العمل الجماعي الكتلوي في المجلس، كما ضبط الأداء وتحسين العمل. والأربعاء الماضي، اضطر رئيس المجلس، عاطف الطراونة، إلى رفع الجلسة بسبب فقدان النصاب، وطلب غاضبا من الأمانة العامة نشر أسماء المتغيبين من دون عذر.
وهكذا، فإن صورة المجلس التي عادت للتحسن قليلا بعد توقف ظاهرة "الطوشات" الداخلية، ستعود للتراجع مجددا. والمسألة ليست الصورة فقط؛ فهناك اضطراب في الأداء الفعلي للمجلس، وهدر للوقت، ولم يتغير شيء يقترب بنا من أساليب العمل الحديثة في المجالس النيابية.
في الأثناء، ظهرت "مبادرة" الشراكة النيابية، والتي ضمت نوابا من كتل مختلفة، بهدف صنع شراكة مع الحكومة حول البرامج الإصلاحية. وقد حققت "المبادرة" حضورا إعلاميا بسلسلة اللقاءات التي عقدتها، من بينها لقاء مع الملك، ولقاء مع رئيس الوزراء، إلى جانب لقاءات مع وزراء وفرق وزارية، لبحث أوراق عمل وبرامج للإصلاح. لكن لم يكن بقية النواب في الصورة، ولم يُقدم للرأي العام أو حتى للنواب أي من هذه البرامج التي يدور الحديث عنها، ما ولد الانطباع بأن قضية "المبادرة" ليست تحريك عملية الإصلاح فعلا، بل هي حركة علاقات عامة لبناء امتيازات العلاقة الخاصة مع الحكومة، ودارت إشاعات ساذجة عن مشروع وزاري لأعضائها. كذلك، سادت في أوساط بعض النواب مشاعر الغيظ من هذه الرعاية الخاصة، وتعرضت "المبادرة" لهجمات تحت القبة باعتبارها صيغة غير مشروعة تتجاوز على دور الكتل. ودار جدل حول مشروعية وجود أعضاء في الكتل وفي "المبادرة" في آن.
ومؤخرا، ظهر خبر أثار اهتماما؛ عن مشروع "مبادرة مضادة" بصورة ما، ستضم النواب الذين صوتوا ضد الموازنة، أي مبادرة معارضة للحكومة، باعتبار أن المبادرة الأولى موالية، وتقدم الغطاء للحكومة.
وأثار الأمر قلقا جديدا حول وضع الكتل، فيما كانت الأخبار تعلن مشروع ائتلاف نيابي مكون من 3 كتل، تضم حوالي 55 نائبا. وهو سيكون تكتلا مهما في المجلس لو تحقق. لكن إذا كانت كل واحدة من هذه الكتل تفتقر إلى التماسك والوحدة والحضور الفاعل، فليس هناك سبب للاعتقاد بأن ائتلاف هذه الكتل سيحقق شيئا أفضل. وهذا الخبر حرك على كل حال توجهات أخرى لبناء ائتلافات مقابلة. ويبدو أمر الائتلافات مجرد ترتيب لاصطفاف القوى للمعركة الانتخابية المقبلة لرئاسة المجلس؛ أي نفس محتوى الحراك المعهود الذي يسود في العادة قبل الانتخابات الداخلية، وقد بدأ هذه المرة مبكرا.
في الحقيقة، إن المكسب الوحيد الذي تحقق من تغيير النظام الداخلي لمجلس النواب هو منع الانسحابات من كتلة والانضمام لأخرى أثناء الدورة البرلمانية. وهو ما أدى إلى استقرار الكتل ومنع انهيارها، لكن من دون أن يغير شيئا في مكانة الكتل ودورها في المجلس.
الحراك الوحيد الجدير بالاهتمام الآن، هو المطلب الذي وقعته أغلبية ساحقة من النواب بتغيير النظام الداخلي، واستعادة معظم المواد الإصلاحية التي تم اسقاطها عندما جرى تعديل هذا النظام؛ إذ يثبت الآن كم كانت الحاجة إليها ملحة، أكان فيما يتعلق بالكتل أو بالانتخابات وتشكيل اللجان، أم بعملية "طبخ" القوانين وتنظيم النقاش تحت القبة، وأخيرا إلزامية حضور الجلسات تحت طائلة العقوبات.
(الغد)