لماذا ينهار التعليم في الأردن
سمير حجاوي
08-03-2014 01:29 PM
جدل رافق تصريح وزير التربية والتعليم الأردني الدكتور محمد الذنبيات عندما أعلن أن 22 في المئة من الطلبة في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الأساسية لا يجيدون القراءة والكتابة، مما يعني أن 100 ألف طالب لا يستطيعون قراءة الحروف العربية أو الإنجليزية.
الوزير الأردني أسهب في شرح واقع التعليم في بلاده وقال: إن المدارس تعاني أوضاعاً سيئة جداً في الأثاث والصيانة حيث لا يوجد في عدد من المدارس أبواب أو شبابيك وألواح دراسية، بينما يوجد في الوزارة نحو 10800 آذن بمعدل 3 أذنة لكل مدرسة، لافتاً إلى أن وزارة التربية بحاجة إلى 450 مدرسة خلال السنوات الخمس المقبلة بتكلفة تقدر بنحو 450 مليون دينار «حوالي 700 مليون دولار»، مشيراً إلى هجرة المعلِّمين حقل التدريس إلى أعمال أخرى بسبب تردّي رواتبهم. وأن توزيع الكتب الجديدة على الطلبة في المرحلة الأساسية يكلِّف الوزارة 5 ملايين دينار (7.5 مليون دولار أميركي)، وأشار إلى وجود 18 ألف جهاز حاسوب معطّلة في وزارة التربية بسبب انتهاء عمرها التشغيلي، مؤكّداً وقف عملية حوسبة المدارس بسبب عدم توافر المخصَّصات».
هي المرة الأولى التي يتحدَّث فيها وزير مسؤول عن التعليم بمثل هذا الوضوح، ولم يستخدم تعابير مطّاطة أو يختبئ خلف "إنجازات وهميّة" لطالما تعوَّدنا عليها في العالم العربي.
الردّ الأقوى على تصريحات وزير التعليم جاء من قِبَل نقابة المعلِّمين الأردنيين التي طالبت بفرض «حالة الطوارئ الوطنية في المجال التربوي والتعليمي المدرسي من قِبَل الدولة الأردنية» إثر الكشف عن أن ربع طلبة الصفوف الثلاثة الأولى بالمدارس لا يجيدون القراءة والكتابة.
واعتبرت أن ذلك "كارثة وطنية وتربوية بامتياز.. وأنه إقرار رسمي حكومي بفشل سياسات التطوير التربوي والبرامج المستوردة الجاهزة وعلى مدى عشرات السنوات السابقة".
وقالت النقابة إنها متيقنة من "أن النسبة تتجاوز ما صَرَّح به الوزير، بينما لم يذكر نسبهم وأعدادهم في الصفوف الثانوية".
واقترحت النقابة تعديل المناهج بما يركّز وبصورة أساسية على تعليم اللغة العربية (مهارات الكتابة والقراءة والتعبير) ومهارات الحساب وأساسيات التربية الإسلامية في الصفوف الثلاثة الأولى» و«تخفيض أنصبة معلِّمي الصفوف الثلاثة الأولى والتخلُّص من مواد الحشو المفروضة على مناهجنا» و«معالجة الاكتظاظ في الصفوف الابتدائية وخاصة الصفوف الثلاثة الأولى» إلى جانب «تفعيل دور الإشراف التربوي بصورة حقيقية في المراحل كافة، خاصة في المرحلة الابتدائية».
الحقيقة أن الوضع التعليمي في الأردن يشهد حالة غير مسبوقة من التراجع، لأسباب تتعلَّق بسوء الإدارة والتعيينات غير الصحيحة، وسياسة الاستثناءات في الجامعات الأردنية التي أفرزت خرّيجين دون المستوى في إطار ما يمكن تسميته بـ «الرشوة الاجتماعية»، مما أدّى إلى تردّي وضع التعليم بشكل عام.
فمنذ عقود عمدت الحكومات الأردنية إلى العمل بمبدأ معالجة الخطأ بسلسلة من الأخطاء، وأخطرها «المعالجة الترقيعية» لقضيّة تدنّي مستوى التعليم في بعض مناطق الأردن، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية، التي يطلق عليها اسم «المناطق النائية» التي سجَّلت بعض مدارسها حالة من الرسوب، وكانت نتائجها في الثانوية «لم ينجح أحد»، وبدل أن تقوم الحكومات بمعالجة وضع هذه المدارس لجات إلى تطبيق سياسة الاستثناءات في القبول الجامعي، وخفضت نسب القبول مما أدّى إلى تدهوُر مستوى الخرّيجين الجامعيين الذين يحصلون على شهادات يُفتَرض نظرياً أنها تؤهِّلهم للعمل في سلك التدريس، ولكن- للأسف، وخلال عقدين من الزمان- ظهرت النتائج المروِّعة لهذه السياسة الخطيرة والتي تصل إلى 75 في المئة من مجمل الدارسين في الجامعات، وهي السياسة التي احتجَّ عليها وزير سابق للتعليم العالي، مما أدّى إلى شَنّ حملة ضدّه من قِبَل المنتفعين من الاستثناءات، وفقدانه لمنصبه، رغم تراجعه عن مطالباته بوقف الاستثناءات التي اعتبرها المدافعون عنها أنها حقوق مكتسبة لا يمكن المساس بها.
لكن المشكلة لها أبعاد أخرى إلى جانب سياسة الاستثناءات التي أدَّت إلى تزويد السوق بـ «مدرِّسين غير مؤهَّلين» مثل ضعف التمويل، وتكدُّس الطلاب، حيث يصل عدد الطلاب إلى 50 طالباً في القسم الواحد في بعض المدارس، وعدم القدرة على بناء مدارس جديدة لتلبية الاحتياجات، وعدم توافر الموارد للتدريب والتأهيل والحوسبة، في انعكاس للحالة الاقتصادية في الأردن.
الحالة في الأردن ليست منعزلة، بل تشكِّل جزءاً من سلسلة من «الإحباطات التعليمية» في العالم العربي كلّه، وإن كان يسجّل للأردن أنه يتحدّث عن واقعة بجرأة وشفافية وصراحة، فقد أظهر تقرير فلسطيني أعدَّه مركز «إبداع المعلم»، تدنّي التحصيل العلمي لدى الطلبة، خاصة في المراحل الأساسية، وأن 40% من طلبة الصفوف الأولى الأساسية في الضفة الغربية لا يجيدون القراءة والكتابة. وهي النسبة ذاتها في السودان حيث أظهرت دراسة أن 40 % من طلاب المرحلة الأساسية في العاصمة الخرطوم لا يجيدون الكتابة والقراءة.
وفي مصر كشف المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، عن تراجع مستوى التلاميذ في مواد اللغة العربية والرياضيات والعلوم، بنسبة كبيرة، وتراوحت نسبة الإخفاق فيها من 74 % إلى 86 % بين تلاميــذ المرحــلة الابتــدائية، وأكَّـــــد أن 78 % من طلاب المرحلة الابتدائية لا يجيدون القراءة والكتابة حتى الصف السادس الابتدائي.
وفي اليمن كشف مدير الوكالة الأميركية للتنمية هيربرت سميث في حفل تدشين حملة القراءة أن 100 في المئة من طلاب الصف الثالث الابتدائي لا يجيدون القراءة والكتابة، وقال «إن طلاب الصف الثالث لا يجيدون القراءة» بحسب حملة تقييم نفَّذتها الحكومة الأميركية لطلاب المدارس في اليمن. وفَجَّر وزير التربية والتعليم اليمني قنبلة من العيار الثقيل عندما أعلن أن 301 مدير لا يعرفون القراءة والكتابة، وأن آلاف المعلِّمين يحملون شهادات مزوَّرة، وأنهم ليسوا مؤهَّلين للتدريس.
هذه نماذج لتردّي حالة التعليم في العالم العربي من الأردن وفلسطين والسودان ومصر واليمن، ومن المؤكَّد أن الحالة نفسها سنجدها في دول عربية أخرى، والتي تتوافر إحصائيات دقيقة عن حقيقة الوضع فيها، مما يحتِّم على المسؤولين عن التعليم في الوطن العربي «إعلان حالة الاستنفار والطوارئ» لإنقاذ الأجيال المقبلة من الأمّيّة، وإنقاذ مستقبل الأمّة العلمي، فهذه الأجيال التي تجلس على مقاعد الدراسة هي التي ستحدِّد مسار ما سيأتي من أيام، وهي أيام ستكون سوداء إذا ترك الأمر على ما هو عليه الآن.