دعيت إلى اجتماع لمناقشة وثيقة أعدها فريق من الشباب النابهين كدليل تدريبي في ميدان تيسير الحوار والتطوع وأشياء اخرى.
حضرت للاجتماع متأخراً بعد جولة غير موفقة في البحث عن العنوان الذي أضعته وانا اتجول بين المباني المتعددة التي كان من المفروض ان تكون مبنى القيادة العامة للجيش العربي.
وصلت بعد ان كان الخبراء قد فرغوا من عرض محتوى الدليل الذي ارسل الينا قبل ايام للقراءة والتعليق.. وكان قد بدأ النقاش حول الوثيقة..
المدهش اننا تفلسفنا جميعا بكلام بعضنا لا يفهمه.. وبدا كل واحد من الحضور وكأنه في جلسة تحكيم يحاول ان يجترح فكرة جديدة او يضيف اضافة لم يفكر فيها الشباب. بعض الذين تحدثوا تكلم عن انجازات قام بها في هذا الميدان ودعا الحضور الى ان يلتفتوا الى ما سيقول وعندما قال لا ادري إذا كان أحد من الحضور فهم ما حاول أن يقول.
اظن اننا جميعا حملنا المناسبة ما لا تحتمل... فالمجتمع الاردني بحاجة الى اي اهتمام شريطة ان يكون الاهتمام صادقا... وغير طبقي.. ويحترم المجتمع.. وقيمه... وكرامة الناس.
في المجتمع الاردني فقر.. وحاجة.. واستفزاز.. وشعور بالظلم والمرارة.. الناس يحتاجون الى تنمية تنطلق من واقعهم.. ولا تؤشر على ما هو بعيد وتدعوهم الى ان ينتقلوا له... الشباب والشابات في احيائنا وقرانا يجدون صعوبات اقتصادية.. يسمعون عن الفساد... يعرفون ان الواسطة عامل اساسي في ايصال الناس الى مواقع متقدمة ورواتب عاليه بالرغم انهم عاديون في المؤهلات والامكانات.
برامج الصناديق والشركات التنموية لا تتمتع بشعبية عالية في الاحياء الشعبية والاطراف فرواتب العاملين فيها تقع في اربع خانات وهو امر مستفز للشباب والشابات.
اظن ان الاردن يحتاج الى تنمية اقتصادية وسياسية نابعة من المجتمعات المحلية تحترم القيم القائمة وتناقشها.. وتعالج مشكلات الغش والتنمر والعنف والمخدرات والكسل بادوات محلية.. البرامج المبنية على النظريات التنموية والتجارب الغربية جذابة اثناء التدريب وقد تكسب المدرب والمتدرب اصطلاحات لتداولها... ولكنها لا تستقر في الوجدان ولا تؤثر جوهريا على ما استقر في اللاوعي.
قبل سنوات تنبهت المؤسسات التعليمية والتنموية الى اهمية التربية المدنية فادخلت مساقا للتربية المدنية في برامج الجامعات وبدأ المؤلفون يتسابقون في تأليف المقررات لهذا المساق فظهرت عشرات الدوسيهات المجمعة ومشاريع الكتب التائهة.. احد الكتب التي اعدها مؤرخ وازن اثارت احتجاج السفارة الكويتية مما اضطر الجامعات لايقاف تداول الكتاب... البعض الآخر تجنب الاشارة الى مكونات المجتمع الاردني العرقية والدينية مما اثار حفيظة هذه الجماعات.
معرفة العديد من النواب والمدرسين والاعيان والوزراء واساتذة الجامعات والطلبة وبقية شرائح المجتمع بالدستور معرفة متواضعة..
في حكومة سابقة وفي محاولة لشرح موجبات مشروع القانون من قبل وزير الشؤون القانونية لاعضاء مجلس الاعيان تلى الوزير المحترم المادة القانونية برقم غير رقمها ولم يصححه احد لا من الوزراء ولا الأعيان... وعندما مازحته في نفس الليلة على الهاتف قال لي فلنركز على المضمون وليس على الشكل.. متناسيا معاليه ان للدستور بناء مثل بناء الدولة تماما وان المواد وترتيبها يحمل دلالات تتجاوز كونها مواد مجمعة في كتيب.. ومن الصعب ان نقرأ مادة بمعزل عن بقية المواد والفصل الذي وردت فيه.
مجتمعنا بحاجة الى الوعي السياسي والثقافة الديمقراطيه والتربية المدنيه.. والى من يطمئنه على مستقبله.. كما يحتاج الى الخبز واللباس والامن والاستقرار والتعليم والاحترام والتعبير والنماذج التي يتعلم منها.
في تاريخنا العظيم كان ابناء الشيوخ يصبحون شيوخاً ليس بكثير من التدريب بمقدار ما هو التقليد الاعمى لشيم آبائهم.. الجيل يحتاج الى قدوة في السلوك والاتجاهات وليس في اللباس والقول والتنظير.
اظن ان المعضلة الكبرى التي ولدت مشاكل العنف والغش والخداع والكسل والمطالب اللامتناهية والسرقه والرشوة وغيرها هي غياب القدوة الحسنة.. فالجيل متعطش الى نماذج صالحة لكنها غير موجودة على ساحة الفعل.. تصبحون على بناء قدرات.. أو قدرات مبنية.