قبل داعش والجماعات التكفيرية فإن ذاكرة التاريخ مثقلة بتجارب مماثلة، قريبة وبعيدة…. فأما القريبة فهي تجارب نيغرو بونتي وروبرت فورد في امريكا اللاتينية قبل عقود ثم في العراق، وكانت هذه التجارب تعتمد على اختراع جماعات مسلحة وشحنها بايديولوجيا معادية للاشتراكية والشيوعية وما يعتبر في هذه الايديولوجيا كفارا ضد الايمان الكنسي الصحيح.
ولم تترك هذه الجماعات وسيلة اجرامية بما فيها قطع الرؤوس الا واستخدمتها وشهدها العالم مجددا في العراق على يد عصابات البلاك ووتر…
وأما التجربة البعيدة، فقد شهدتها اوروبا في القرون الوسطى وكانت كما داعش واخواتها حالة مركبة عسكرية ايديولوجية…
ومقابل ما عرف بظاهرة الفرسان الهوسبتارية ومن هم على شاكلتهم مثل انوسان الجزويت وفرسان مالطا والهيكل، شكلت محاكم التفتيش وكلية اللاهوت في جامعة السوربون الغطاء الايديولوجي للهوسبتارية، وقد تم ترسيم فرسان التشكيلات العسكرية المختلفة من باباوات روما…
ومما يبعث على الدهشة ويثير التساؤلات هو القواسم المشتركة في الاساليب والذرائع "المذهبية" بين اساليب الهوسبتارية الكنسية القديمة وخطابها الايديولوجي، وبين داعش واخواتها واساليبها وخطابها وسياقاتها وبيئتها الاجتماعية….
فمن القتل وقطع الرؤوس والحرق والجلد وجدع الانوف وصلم الآذان، وتغطية ذلك بخطاب "الفرقة الناجية" التي تحتكر الايمان وتقدم نفسها كرسول للعناية الالهية، الى بيئة اجتماعية متشابهة الى حد ما، وهي بيئة الاحتقانات المذهبية والطائفية الناجمة عن قوة الانماط ما قبل الراسمالية "في حالة الهوسبتارية" والرأسمالية المشوهة في حالة الجماعات التكفيرية الراهنة…
وتزداد خطورة كل ما سبق اذا تذكرنا النفوذ الكبير للمؤرخين والمستشرقين اليهود في المطابخ الاطلسية التي تشرف على ملف الجماعات التكفيرية، ولا يخفي هؤلاء المؤرخون دورهم في العبث في التاريخ وتوظيفه لانتاج هيجان طائفي ومذهبي دموي في خدمة تل أبيب.
العرب اليوم