منذ سنوات والحكومة تمنح مددا لتصويب أوضاع العمالة الوافدة، وتنشر خططا لـ"إنقاذ" العمالة المحلية، وتعقد مؤتمرات وندوات وورش عمل. والنتيجة في المحصلة، ليست إلا بعضا من تيه. فلا يوجد من يدلنا على طريق نبدأ منها، وننتهي إلى عمالة وفق القانون، وضمن أفق يسعى إلى تحقيق التوازن بين المحلي والخارجي من هذه العمالة.
تقديرات وزارة العمل، وفقا لأمينها العام، أن عدد العمال الوافدين الذين يعملون بشكل مخالف ومن دون تصاريح رسمية يرتفع إلى نصف مليون عامل وعاملة في البلاد، وبما يعبر عن تشوه كبير يقيد هيكلة سوق العمل، وإحداث فرق فيها، بناء على خطط واستراتيجيات تستوجب الحالة الإيجابية لا السلبية. ويتضح من جهود الحكومة في مجال كشف وضبط العمال المخالفين، أنها ما تزال جهودا في مستوياتها الدنيا. ففي العام الماضي، تم ضبط أقل من 15 ألف عامل وعاملة مخالفين، بما يشكل نسبة لا تذكر من إجمالي الرقم الذي قدرته وزارة العمل.
والوزارة التي تتلقى الشكاوى من العاصمة والمحافظات بشأن مزاحمة العمالة الوافدة للعمالة الأردنية، تبدو غير ذات صلة بحجم وعدد وأماكن تواجد هذه العمالة التي تنتشر في أرجاء البلاد، وسط غياب المعلومات الحقيقية عنها. وأعتقد أن بيانات ومؤشرات علمية ودراسات (نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى) بشأن حقيقة هذا التواجد بشقه غير القانوني، ستكشف لنا حجم سيطرة جنسيات عربية وآسيوية بعينها على مفاصل الاقتصاد؛ في المخابز والمطاعم والبناء والمحلات التموينية الكبرى، والأنشطة الاقتصادية والتجارية الأخرى، من الرمثا شمالا وحتى العقبة جنوبا.
أؤيد وزير العمل في توصيفه الأخير بأن وضع العمالة الوافدة في الأردن "خطير جدا". لكن الأمر يجب أن لا يقف عند حدود الوصف أو التحذير أو التصريحات الإعلامية. إذ يجب على الحكومة بناء قاعدة معلومات متماسكة عن توزيع هذه العمالة، والمناطق التي تنتشر فيها. ولا أعتقد أن أحدا من هذه العمالة قد دخل البلاد عنوة أو تهريبا، ما يعني وجود سجلات الدخول والخروج ضمن سيادة الدولة وبيروقراطيتها. ويمكن متابعة حركة هذه العمالة ومعرفة أماكن تركزها وفقا لنظام تتبع ذكي، يتجاوز الأسلوب الأمني التقليدي في ملاحقة العمالة المخالفة، والذي لم يؤت أكله.
مطالبات الحكومة بتشغيل الأردنيين ليست كافية؛ فالمسألة تخضع لشروط واقعية على الأرض، لا علاقة لها بما تحبه الحكومة وتأمله. هذا في الوقت الذي تبدو فيه خطة تصويب أوضاع جميع العمالة من الجنسيات كافة محدودة الأثر، إن لم ترتبط بجهد نوعي لبناء قاعدة معلومات عن حجم وتوزيع هذه العمالة، وعلاوة على ذلك البحث عن أسباب ضعف العمالة المحلية في مواجهة قوة وغلبة العمالة العربية والآسيوية، وبما يقيس شروط التأهيل والتدريب والجدية والأجر، وغيرها من ملامح عزوف الشباب الأردني عن العمل في بلاده.
صحيح أن اللجوء يزيد من منسوب التبعثر في شكل وانتشار العمالة الوافدة؛ وصحيح أن اقتصادنا -في جوانبه التجارية والزراعية والخدمية- يعتمد بشكل مباشر على العمالة العربية والآسيوية؛ لكن هذا التشوه يجب أن يتغير بشكل تدريجي على صعيد الاستراتيجيات والفعل، لا الخطابات والوصف والقول. وهذا لن يحدث إلا إذا بُنيت السياسات والخطط على معلومات ومؤشرات موثوقة.
الغد