بغض النظر عن رأي أحدنا بصدام حسين ونظامه السابق، وبغض النظر عن إن كنّا معه أو كنّا ضده، فإن هناك تدخلاً سافراً قد وقع في العراق كان أبطاله عتاولة النظام الدولي، وقيادات العالم التي تدّعي أنها حامية للديمقراطية والعدالة والسلم والأمن وحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي.
لم يكن التدخل في العراق سابقة، لا في زمانها، ولا في مكانها، ولا في آلياتها، ولا في تعدّيها على كل المواثيق والمعاهدات والقوانين والأعراف الدولية. وقد جاء ذلك كلّه، كما أصبح معروفاً لدى البشر والشجر والحجر والمطر، بحجج كاذبة وتبريرات غير معقولة وغير منطقيّة، وغير صادقة وغير شريفة.
وبالرغم من كل ذلك، فقد شنّت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها اثنتان وثلاثون دولة، هجوماً على العراق، تحت غطاء الإدّعاء بضرورة إخراجه من الكويت، الدولة التي احتلها دون وعي ودون حق. ولكن أليس من الحق أن تُترك معالجة ذلك للعرب وللكويتيين وللعراقيين أنفسهم، هؤلاء البشر الذين لم يكن معظمهم أو كلهم مع هذا الاحتلال؟ إذن لماذا يتدخل بنا الآخرون؟
وبغض النظر، إنْ كنت ضد العقيد القذافي أو معه، وبغض النظر إنْ كان مسيئاً أو محسناً، فليس هذا موضوعنا، إذ أننا في المحصّلة سمحنا لحلف الناتو، بقيادة فرنسية، وبمباركة أمريكية، أن يُدمّر ليبيا عن بكرة أبيها، وأن يعيدها، كما أعاد العراق مئة سنة إلى الوراء، في الوقت الذي امتلأت الكرة الأرضية بأنظمة سياسية هي أشرس من نظام القذافي، إلا أن الأوروبيين والأمريكان لم يحركوا ساكناً تجاهها، إذن لماذا؟
وبغض النظر إنْ كنت مع الأسد أو كنت ضدّه، فهل هناك نص في القانون الدولي أو في العلاقات الدولية وإدارتها ما يفوّض المجموعات المسلحة المستبدّة أن تقطع الرؤوس وتلوك الأكباد والقلوب، وترعب الناس، وتقتل أطفالهم وشيوخهم. أليس هذا من حق السوريين، وأليس هم الوحيدين المخوّلين بأن يصلحوا المسيرة؟ إذن لماذا فُعِل بسوريا من قِبَل غير السوريين ما فُعِل بها؟
فعلاً هل يوجد غير العرب "حيطان واطية"، حتى تكالبت علينا الدنيا لتدمّر ما بنيناه خلال قرون، وتنهب مقدّراتنا، وتحرق أكبادنا؟ فالعراق أسالوا دمه، وتلونت مياه نهريه بالأحمر بعد أن لوّنها هولاكو بالسواد. ولبنان قبلها أثاروا فيه الفتنة تلو الأخرى، وسوريا أخذوا المبادرات المتتالية لتجعل منه غابة مملوءة بالوحوش! والسودان هددوه كل يوم، وتونس لا يزالون يصدرون إليه أنياب الفوضى الخلاّقة التي أرادتها "رايس" وأهلها.
وفي المقابل هناك إسرائيل تمارس في كل ليلة وكل صباح، كل صنوف القتل والاحتلال والتهجير والتدمير وقلع الزيتون من جذوره، وتحرم أهل فلسطين من كل حقوقهم التي منحتها البشرية لهم. ومع كل ذلك، فلا نسمع إلا جعجعة تتحدث عن قرارات دولية تمنع الاحتلال والاستيطان والتهجير، وأصواتاً مبحوحة تطالب بتفريغ المنطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. إذن لماذا تتخاذل القوى العظمى عن إحقاق الحق الذي تدّعيه في كل أطراف العالم، بينما لا تُبقي سلاحاً إلا وتستعمله في وجه العرب بحجة تطبيق الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان. ألا يحق لنا أن نصرخ بأعلى صوتنا ؟ لماذا السكوت؟
الجواب سهل، وهو من تهون عليه نفسه، يهون على الناس، ويصبح لقمة سائغة بعد أن حكم العالم "قانون القوة"، وقُتلَ مبدأ "قوّة القانون"! فنحن العرب أقنعنا أنفسنا أن من يبيت منا مظلوماً، خير ممن ينام ظالماً. ولكن هل ظلمنا أحداً إلا أنفسنا، ويظل السؤال لماذا؟
لماذا يتدخلون بنا وبشؤوننا الداخلية، ألا يجب عليهم أن يتركوا أصحاب الأرض "يقلّعوا شوكهم بأيديهم"، بعد أن رددت الدنيا مقولة "أهل مكّة أدرى بشعابها"؟ هل نحن تدخلنا بشؤون الآخرين، إذن لماذا يستبيحون أرضنا وعرضنا؟ لم تبق قطعة أرض عربية إلا ودخلها الغزاة، ولم تبق دار إلا ورموها بالحجارة. ولم تبق عَرَصة إلا وهدموها، ولم تبق صومعة إلا ودنّسوها، إلى متى؟ ولماذا؟
لماذا يدخلوننا في أتون النار، ثم "صدفة" يكتشفون أن الحل الأمثل يسكن بعيداً عن استخدام القوّة، فانسحبوا من العراق، وسكتوا عن اليمن، وخرجوا من ليبيا، وهاهم اليوم يصيحون بأن الحل السلميّ هو الحل الوحيد للأزمة السورية بعد أن ملأوا شوارعها وقوارعها، وقبلها العراق، بكل أنواع العهر والقهر والأسلحة الفاجرة والضمائر المستباحة.. وهنا سنظل نقول، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لماذا؟