المناسبات فرصة لتنشيط الذاكرة و استعادة مخزونها، وهو بالضبط ما فعلته بذاكرتي قراءة الأخبار عن احتفالات دولة الكويت بعيدها الوطني. فالكويت بالنسبة لي وللكثيرين من أبناء الأمة، ليست تلك الثروة من البترول على أهميتها ودورهاليس في بناء دولة الكويت وتطويرها فحسب، بل في خدمة الأمة وقضاياها المصيرية، كما حدث عندما ساهمت الكويت مع شقيقاتها الأخريات من الدول العربية المنتجة للنفط بقطع امدادات النفط عن الغرب إنتصاراً للحق العربي.
والكويت بالنسبة لي وللكثيرين من أبناء الأمة ليست مجرد سوق عمل على أهمية ذلك فقد إستوعبت الكويت ولعقود طويلة مئات الآلاف من الشباب العربي، الذي وجد في المؤسسات الكويتية الحكومية والأهلية فرصة العمل التي أمنت مستقبله ومستقبل أبنائه.
والكويت بالنسبة لي وللكثيرين من أبناء الأمة ليست مجرد صندوق مساعدات للدول العربية المحتاجة على أهمية ما قدمته دولة الكويت لهذه الدول من مساعدات ساهمت في نهضتها ..
والكويت ليست بالنسبة لي وللكثيرين من أبناء الأمة، مجرد مستثمر ساهم في تحقيق الرخاء لبلداننا، لكن للكويت دوراً أهم من ذلك كله، يتمثل في إسهامها الكبير في بناء الوجدان والعقل العربي، من خلال الدور الكبير الذي لعبته في الميدانين «الإعلامي والثقافي». لقد شكلت الكويت في مرحلة من مراحل تاريخ أمتنا نقطة مضيئة في بحر ظلمات الإعلام العربي، من حيث المهنية وسقف الحرية التي يتمتع بهما الإعلام الكويتي وما زال.. لذلك استقطب الإعلام الكويتي الكثير من الصحفيين وأصحاب القلم من أبناء الأمة، الذين وجدوا في الكويت والإعلام الكويتي متنفساً مهماً ومنبراً لآرائهم، ومجالاً لتجلي إبداعاتهم المهنية، بعد أن أغلقت الأبواب الأخرى أمام أقلامه، أو وضع أمامهم شرط الإستخذاء الذي فروا منه إلى الكويت التي بدأت مسيرتها الإعلامية مبكراً، ومنذ عشرينيات القرن الماضي.
أما في مجال الثقافة، فمن منا لم يتعلم، من أم المجلات العربية (أعني مجلة العربي)، ولم يتأثر بها وقد كنا ننتظرها بشوق ولهفة، ونحجز نسختنا منها مبكرا،ً خوفاً من أن يفوتنا عدد من أعدادها لسرعة نفاذها، فقد شكلت « العربي» وجبة فكرية دسمة لأجيال من أبناء الأمة، وعلى صفحاتها التقت أقلام عمالقة الفكر والثقافة العربية .
ومثلما كان الكبار يتسابقون على مجلة العربي الأم، كان الأطفال والفتيان أسرع إلى مجلة العربي الصغير، فالكويت من أوائل الدول العربية التي اهتمت بثقافة الطفل العربي، وعلى أثرها سار الآخرون فيما بعد .
ومثل مجلة العربي ودورها في إثراء الثقافة العربية، كذلك كانت مجلة الوعي الإسلامي التي تصدر عن الأوقاف الكويتية، والتي لعبت دوراً مركزياً في تقديم صورة حقيقية عن الإسلام والفكر الإسلامي المعتدل قبل أن يظلنا زمن تكاثرت فيه منابر التطرف التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين.
الكويت التي قدمت لأمتها العربية «العربي» و «الوعي الإسلامي» ، هي عينها الكويت التي قدمت للأمة كتاب «عالم المعرفة» الذي يعتبر من أهم روافد المكتبة العربية ونوافذها إلى الفكر والمعرفة العالمية، تماما مثلما كانت مجلة المسرح الكويتية من أهم نوافذ المسرحيين العرب إلى عالم المعرفة المسرحية.
كثيرة هي عطاءات الكويت في عالم الفكر والثقافة والإعلام، ولا يوازيها في ذلك إلا عطاءات الكويت في مجال توفير المناخات الآمنة للعاملين في سبيل قضايا الأمة. ففي الكويت تشكلت في ستينات القرن الماضي الخلايا الأولى للثورة الفلسطينية، ولعقود طويلة ظلت الكويت داعماً رئيسياً لمنظمة التحرير الفلسطينية مالياً وسياسياً. وإلى الكويت فر الكثير من القيادات الإسلامية هرباً من الإضطهاد في بلادها، حيث وجدت في الكويت مناخات آمنة للعمل الإسلامي الراشد. ولم تكن الكويت لتقوم بكل هذه الأدوار الثقافية والفكرية والإعلامية والسياسية، لو لم تكن صاحبة تجربة ديمقراطية عريقة، سبقت فيها الكثير الكثير من دول المنطقة، التي تتغنى بالديمقراطية دون أن تمارسها، بينما مارسها الكويتيون دون أن يكثروا الثرثرة حولها، كما فعل غيرهم.
نقول هذا كله في بمناسبة العيد الوطني، لنقول إننا في هذه الفترة من تاريخنا، أشد ما نكون حاجة الى عطاءات فكرية وثقافية وإعلامية كتلك التي قدمتها دولة الكويت، وإلى تجرية كتجربة أبناء الكويت، الذين آمنوا بأن العمل والعمل وحده، هو طريق النجاح، وبأن الدول لا تقاس بثرواتها، ولا بمساحاتها، ولا بعدد سكانها، ولكن بمدى تأثيرها خاصة في بناء العقل والوجدان . . لذلك كان قرارهم بأن يكونوا مؤثرين، خاصة في بناء الوجدان والعقل . . وقد أفلحوا في ذلك فهنيئاً لهم عيدهم الوطني . "الراي"
Bilal.tall@yahoo.com