إني أرى في المنام أني أزداد قُربا من غيمة لم تمطرنا حباً ... من ثورة لم تصنع عدلاً... من موت ينجب موتا ... من حلم استيقظ على أصابعك الخشنة تعبث بتحريك المؤشر الأحمر لتحصل على موجة إذاعة القدس ... خشخشة الموجة في المذياع كصرخة مقهور جذبه الحنين حينا ولوّعه الفقر والشجب والتوتر والخوف وذرف الدمعات سنينا . ترفع المذياع إلى أذنك كسفينة تمخر عباب قلبك ... تسمع صوت البحر تحمله ولا يحملك ... هنا إذاعة القدس ... على طريق تحرير الأرض والإنسان .
ألمح ُظلك في آخر سيارة أجرة ركبتها ... تتأبط ذاكرتك في جيب معطفك ... (كوشان الأرض ) ومفتاح يرقد على صدرك كطفل أخذته سنة من النوم . تستجمع قواك في جبهة عالية مرفوعة لتمارس علي دور رجل أصغر مني ... سأنتظرك هناك ... بعد صلاة الظهر في القدس ... أغلق الباب خلفه وفتح قميصه ليخرج المفتاح ملوحا لي كعصفور غادر عشه ولا يعرف طريق العودة .
والدي الطيب علّك تذكر صورتي لآخر مرة رأيتنا فيها ،أُلملم ما تبقّى من هويتي في أرض الشام ... أفرّ من الضعف إلى البحث عن الجلاّد ... عن القاتل ... عن الضحية ... فلا أجدك ولا أجد أبا ذر يروي على مسامعي : يا طوبى للشام ... تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها عليها .
***
جاهدا أحاول الوصول إلى أجنحة الحلم ... قد يُنبت الشوك وردا ويشتعل الزيت نورا فالظلم القليل قد يصل إلى عدل كثير .. والعدل القليل قد يصل إلى ظلم كثير . نؤمن ونسلك الطريق حتى يأتينا اليقين إنّا شرذمة كثيرون غير مبالين سوى بقليل من السعادة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة في رحيل لا عودة بعده أبدا ً.
أتحسس رأسي ما زال جالسا مكانه ... أتحسس كلماتي كمن يضع يده على قلبه مؤامرة الشك تلتهم هشاشة وجود مؤقت في فردوس مفقود (من يُضحّي بالحرية من أجل الأمن لا يستحق أيّاً منهما ) وإطلاق العنان لممارسة دور المشاهد كانتظار حلم شاخ كأصابع والدي وهو غارق في رؤاه يبحث عن وطن في الإذاعات ... هنا إذاعة القدس ... على طريق تحرير الأرض والإنسان ... خبر عاجل ... قام مجنون يهودي يُدعى باروخ جولدشتاين بإطلاق النار على المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي فجر يوم الجمعة .
هنا إذاعة القدس ... هنا الشرق يموت من فيه صمتا .