دائرة الاخوة اوسع واجمل .. !!
حسين الرواشدة
28-02-2014 02:07 AM
في القرآن الكريم يمن الله تعالى على عباده المؤمنين ان “الّف بين” قلوبهم بعد ان كانوا أعداء فأصبحوا بنعمته “اخوانا” ، بمعنى ان الايمان والعداء لا يلتقيان في نفس المؤمن وذاته ، واذا حصل ذلك ، وجبت المجاهدة: مجاهدة النفس واهوائها ، والواقع واحواله ، والقلوب وامراضها ، ووجب ايضا انتظار نعمة “الانتقال” من الضلال الى الهداية ومن العداء والبغضاء الى الإخاء والعطاء.. وهي - دائما - من الله تعالى الذي “لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
اذن، دائرة “الاخوة” التي اقرها الاسلام حين بدأ باقامة الدولة في المدينة المنورة تسبق بكثير مفهوم “المواطنة” الذي تضمنه بعدئذ “الدستور” الاسلامي وجاءت به بعد قرون مواثيق حقوق الانسان في العالم ، والاخوة - هنا - وصفة سحرية عابرة لكن الخلافات والصراعات ، وعنوان حقيقي “للبناء” حين يسود منطق “الطلاء” ، ويحتكم الناس الى غرائزهم الانسانية وعصبياتهم بدل ان يحتكموا لفطرتهم ودوائر الخير التي جبلت عليه انفسهم.
في قانون المواطنة ، ثمة حقوق وواجبات ومسؤوليات ، تخضع دائما لرقابة الدولة وضميرها العام ، ولأنظمة المحاسبة فيها وموازين العدالة النسبية ، وهو - كغيره من القوانين - مجال جدل ، في النظر والتطبيق ، أما في قانون “الاخوة” فثمة مسؤوليات أولا ثم حقوق ، والمسؤوليات هنا أوسع بكثير لأنها تستمد مشروعيتها من مقاصد الدين أولا ، ومن هدف خلق الله للانسان ثانيا ومن طبيعة المجتمع الاسلامي وقيمه السائدة ثالثا: فبمقدار ما يكون “التدين” صحيحا بمقدار ما يشعر الفرد المسلم بعمق مفهوم “الاخوة” داخله ، لا لمن يشاركه في دائرة “الملة” الدينية أو الوطنية فقط ، وانما لكل ما حوله ومن حوله ، ومن البشر والموجودات ، بحيث يسود “منطق” الانسجام في المحيط كله بدل “منطق” الصراع ، وبحيث يشعر الجميع بأنهم كلهم سواء ، لا يتحاسدون ولا يتنافسون ولا يبغي بعضهم على بعض.
في قانون “الاخوة” يرتفع الفرد فوق اعتبارات الدنيا واغراءاتها ، وتتوحد الاجناس والعناصر في منظومة “الولاء” للفكرة ، وينسحب الكل من الاعتبارات الشخصية والمكانية لمصلحة “التضحية” من اجل الهدف الواحد ، وتتراجع هيمنة “الاطماع” البشرية والاهواء بما تتضمنه من دعوة للمحاصصات وتقييم الغنائم لحساب “هيمنة” الاخلاق والقيم الفاضلة التي يصهرها مبدأ “الاخوة” ويقيمها على أساس جديد يتحرك “لبناء” المجتمع وترسيخ عافيته.. وعندئذ تتصافى النفوس ، وتتآخى الارواح ، ويتميز الخبيث من الطيب.
لا يمكن لقانون “المواطنة” ان ينجز وينتج ويتغلغل في حياتنا العامة الا اذا استند “لروح” الاخوة وقانونها وضميرها العام ، وقانون “الاخوة” ليس مجرد “مواد” جامدة يترتب عليها ما يترتب على القوانين الاخرى من مسموحات وممنوعات ، ومقررات واجراءات ، وانما “طاقة” روحية وفكرية متحركة ، تبعث في الانسان اسمى ما لديه لكي تعطي ويتسامح ويتفاهم ويتحرك في المجتمع والكون من دون قيود أو شروط ، وهو - عندئذ - لا يقامر ولا يغامر ، ولا ينتظر من غيره الجزاء ، وانما يتسامى ويترقى على كل الصغائر.
(الدستور)