المتقاعدون العسكريون والمحاربون القدامى
د.رحيل الغرايبة
28-02-2014 01:50 AM
المتقاعدون العسكريون هم شريحة من هذا المجتمع ، يعكسون ما يجري في المجتمع من نشاط وتطور وفكر وتحول وتغيّر ، مثلهم مثل الشرائح الأخرى ، ولذلك عندما تستمع لحديثهم انما تستمع لنبض المجتمع ، فمنهم المتدين ،ومنهم المتحمس ،ومنهم المعتدل ،ومنهم الغاضب ومنهم المفكّر ومنهم المتعلم ، ومنهم صاحب الخبرة ، ومنهم من يحمل الشهادات العليا ، والتخصصات النادرة ، ومنهم من جاب البلدان وسافر عبر الاقطار ، والتقى زعماء وسياسيين ورؤساء أجهزة ، واطلع على قسط وافر من المعلومات الموثقة ،واكتسب قسطا وافرا من الخبرة.
في إحدى الندوات الحوارية التي استمعت فيها لاحاديثهم ومداخلاتهم ، وقفت من خلالها على كل هذا التنوع الواسع الممتد على الساحة الاردنية المحلية وعلى الساحة الإقليمية والعربية ، ووجدت من بينهم من تخرج من جامعة (هارفرد) ،وعلى درجة عالية من الثقافة وحسن المنطق وقوة التخصص وقد درس فيها مبعوثا على حساب القوات المسلحة الاردنية ويعترف بهذا الفضل ، مما يؤكد أن الجيش والقوات المسلحة تشكّل مدرسة مجتمعية كبيرة ومؤثرة في صياغة المجتمع وتشكيله ،سواء أثناء الخدمة أو بعد التقاعد ، ولها دورها الواسع والمستمر الذي لا ينضب أبداً .
من حق المتقاعدين العسكريين الانخراط في مجتمعهم بشكل إيجابي ومن حقهم مواصلة دورهم في بناء مجتمعهم وتوظيف إمكاناتهم وقدراتهم وما تحصل لديهم من خبرة من أجل الإسهام في حماية دولتهم واستقرارها ومستقبلها الى جانب شرائح المجتمع ومكوناته الاخرى ، بطرق طبيعية وعادية تماما ،دون ضيق صدر أو حساسية مفرطة من أي طرف ، لأنهم على اختلاف توجهاتهم يجمعهم حب عميق للوطن وانتماء كبير بلا حدود للدولة وشعبها وحرص مقدر على أمنها ومستقبلها ، ولديهم احساس دقيق نحو المخاطر التي تهددنا جميعاً ، يمكن توظيف ذلك بأساليب ووسائل إيجابية مدروسة ، بعيداً عن منطق الوصاية أولاً ، وبعيداً عن منطق الاستهجان والاستنكار لدورهم المتحمس الذي يحمل بعض معاني الحدة العسكرية .
حماستهم الزائدة أحيانا وحدّتهم المختلفة عن المدنيين والمشتغلين بالسياسة مقبولة , ويجب استيعابها في معادلة وطنية ايجابية مثمرة ، لانهم يشكلون عامل توازن مطلوب ، ويشكلون حاجز وقاية قادر على حماية المجتمع من الانزلاق نحو متاهات الفوضى والعنف لا سمح الله ويشكلون قوة رقابية داخل المجتمع على ما يجري من تحولات اجتماعية وسياسية.
شريحة المتقاعدين العسكريين شريحة واسعة ، لها حظها الوافر في تكوين المجتمع الاردني ، مما يحتم التفكير في كيفية التعامل مع اثرها العميق المتصل بمستقبل الدولة عن طريق إيجاد الأوعية الفكرية والأطر السياسية القادرة على استيعاب هذه الخبرة وتوظيفها وتوجيهها وتطويرها وتهذيبها ، عبر منظومة متكاملة من المؤسسات المتنوعة والمتعددة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية ، بلون من الاحترام والتقدير وحفظ الكرامة والاعتراف بالجميل لدورهم السابق وتاريخهم العسكري ، الى جانب متقاعدي الجانب المدني .
نحن بحاجة الى إرساء ثقافة سياسية جديدة تقوم على تقبل النقد ، وتقبل الأراء المعارضة ، واعتبار ذلك ضرورة من ضرورات التطوير والتحسين ، وأن النقد الايجابي والمعارضة السياسية القائمة على المنطق وصحة الرأي ، وطرح البديل إنما هو من صميم الانتماء لهذا الوطن والولاء للدولة ، ومن هذا المنطلق فإن المتقاعدين العسكريين عندما يمارسون النقد أو المعارضة البناءة ، انما يعد ذلك من النشاط الوطني المقبول الذي لا يخرج عن معاني الانتماء والولاء للدولة ، ولا يتعارض مع تاريخهم العسكري ، ولا يتناقض مع شرف الخدمة في صفوف القوات المسلحة والقوات الامنية .
(الدستور)