هذه هي المرة الثانية التي ُيصوّت فيها النواب على طرد السفير الاسرائيلي في عمان،والاولى كانت في شهر أيار من العام الفائت،ولم تتجاوب معها الحكومة،فيما سياق هذه المرة مختلف تماماً عن المرة الاولى.
البيئة التي جاء فيها التصويت هذه المرة،حساسة،فالكنيست الاسرائيلي ُيهدّد بنزع الولاية الدينية الاردنية عن المسجد الاقصى.
رد فعل النواب هنا،يأتي مضاداً لموقف الكنيست،غير ان الفرق ان الكنيست في اسرائيل ُيلزم حكومته،بالقرار،والنواب عندنا لا يلزمون احدا،كما خبرنا في مرات سابقة.
خطوة ُمقدّرة،تلك التي شاهدناها في النواب،غير ان السؤال يتعلق بقدرة النواب على إلزام الحكومة من جهة،وقدرتهم الفعلية على ارباك الجانب الاسرائيلي،الذي قد يعتبر التصويت مجرد «حفلة شواء» في الهواء الطلق،وعلى هذا فالحكم النهائي مرتبط بالقدرة على التنفيذ لا..مجرد اشهار الموقف،لغايات متعددة؟!.
هذا يعني ان اسرائيل اذا اعتبرت ان كل الخطوة الاردنية مجرد تصعيد كلامي،فلن تتوقف عند تأثيرات القرار النيابي،ولابد ان نتخلص من حالة التراسل عن بعد،وافهام اسرائيل ان المناخ العام في الاردن غاضب بشدة،وكراهية اسرائيل باتت تحت كل حجر.
القضية صعبة للغاية،لان الولاية الدينية للاردن على الاقصى ليس مجرد ولاية دينية،اذ فيها سياسة،وكل السياسة ايضا،فمن يحكم منطقة الاقصى،يحكم القدس،وسقوط هذه المنطقة،سقوط سياسي،لا يمكن حصره في اطار موقع الصلوات،والتسبيحات.
مجرد مناقشة الكنيست للولاية الدينية على الاقصى،يعني تهديد بنود معاهدة السلام مع اسرائيل،لان الاتفاقية تمنح الاردن هذا الحق،وعلى هذا لايمكن ان نكتفي هنا بالمطالبة بطرد السفير الاسرائيلي في عمان،واستدعاء السفير الاردني من تل ابيب.
ثم ان هناك سؤالا خطيراً:هل يقدر الاردن فعليا على خطوة طرد السفير،واذا اتخذ مثل هذه الخطوة،فمن سيحمي الاردن من ردود الفعل الامريكية والدولية،وماهي كلفة طرد السفير بشكل عام،وهل ستمنح اسرائيل ذريعة لمزيد من التصعيد بشأن الاردن؟!.
هل يحتمل الاردن بالمقابل نزع ولايته الدينية بمغزاها السياسي،او تحميل عنقه كلفة هدم الاقصى غدا،او تقاسم الحرم القدسي،والواضح ان الاردن عليه ان يختار اليوم،بين كلفتين،في ظل توقيت سيء؟!.
محللون يعتقدون هنا ان الاردن قد ُيوظف الغضبة البرلمانية للضغط على اسرائيل،اي ان الهدف يتلخص بالتوظيف السياسي لردع اسرائيل عن نزع الولاية الدينية،واعتقد هنا بصراحة ان اسرائيل لا تهاب مثل هذه التوظيفات ولا يهمها الامر ابدا،لان المشروع الاسرائيلي بدون الحرم القدسي،ناقص وغير مكتمل،ولن تتأثر اسرائيل اساسا بأي توظيفات في هذا الصدد.
نتوقف مطولا عند جلسة مجلس الجامعة العربية في القاهرة التي عقدت البارحة الاربعاء وكلمة مندوب الاردن الذي اعتبر ان اي اجراء اسرائيلي باطل،وان لا..ولاية لاسرائيل على الاقصى،وهذا جيد لكنه غير كاف ولابد من تحرك اكبردوليا لردع اسرائيل.
قرار النواب ُمقدّر،حتى لا يبقى الانتقاص عقيدة لدينا،وهو يعبر ايضا عن نبض الشارع بشكل او آخر،وهو شارع معاد لاسرائيل،لكنه تعب من «دبلوماسية التأوه» عبر الرسائل.
بالمقابل لا نريد ايضا ان نسقط في «فخ ابراء الذمة» مما يعد للاقصى،وهذا يعني ان صيحات البطولة،قد تعني صيحات الوداع.
كل ما اخشاه،ان يضيع الوقت بالكلام،فيما ُتكمل اسرائيل مخططها،فنصحو وقد كان سقفنا يتوقف عند طرد السفير او التنسيق السري لسحب السفير مؤقتا،فيما الاحتلال يخلع آخر الرايات العربية عن المسجد الاسير،توطئة للهدم او التقاسم.
اذا كان البعض يعتبر ان الاقصى مفتاح للسلام،فان المنطق يقول ان الاقصى يجب ان يكون سبباً للحرب.
(الدستور)