فوارق بسيطة عن ما تضمنه فيلم "سهر الليالي" حول استعادة مجموعة من الأصدقاء (لجمعتهم) بعد أن فرقتهم السُبل.. أنعم علينا زميلنا الإعلامي في قناة العربية هاني شوتر حين عاد إلى عمان بغتةً وبعيداً عن أي أخبار مسبقة، بطلبٍ وقعَ في مكان خاص من القلب، فقد طلب ببساطة أن نعيد رفاق الدرب وأصدقاء التلفزيون وأيام (المؤسسة) لِلَمةٍ تجمع ما فرقته الأيام، وتمسح من خلايا الذاكرة غبار المشوار والتفاصيل المملة.. والشتات الذي أدى بنا كلٌّ إلى دربه وعالمه..
كانت المناسبة كفيلة لتكشف لنا كم كبرنا، وكم دارت بنا الأيام حتى نسينا أياماً اعتقدنا يوماً أنها لا تُنسى، ذكّرنا الحدث بِكَمّ الاختلافات التي طرأت في حياتنا، وبقدر التغيرات التي داهمت اهتماماتنا وأولوياتنا..
قضينا الساعة الأولى شوتر.. ومحمد الوكيل وبسام الرقاد وعساف الشوبكي وداوود المناصير وأنا، نرمم ما فعلته الأيام بالذاكرة، وبلغة التفاهمات، وبقدرتنا على الضحك من أعماق القلب معاً وفي لحظة واحدة، حين تسقط عيوننا على شيءٍ فندرك معاً بقرار عفوي أن ما نراه يستحق الضحك..
عاتبنا بعضنا البعض، ولُمنا أنفسنا وحاولنا شرح مواقفنا وتبادلنا الأحضان واختلفنا.. وكِلنا الاتهامات بعضنا لبعض، وقليلاً ما تفهمنا أو اقتنعنا لكننا في حقيقة الأمر لم ندرك وعلى ما أعتقد -حتى الآن- على ما نحن عليه مختلفون.
هي الأيام فقط يا أصحاب الشاشة والاستديوهات والنشرة و(أوردرات) التصوير تلك التي فرقتنا، حتى اعتقدنا أننا مختلفون كلٌّ لشأنه ولعالمه، ولعلنا كدنا أن نستبدل كل ذلك بشبهة عداء لا مبرر لها سوى تباعد الأيام وجفاء البُعد..
تذكرنا معاً عندما كنا على الشاشة، سادة الأعلام في الأردن والمنطقة العربية.. حين كنا نصنع (تلفزيون) يعشقه الناس ويتابعه عموم الجمهور.
استعدنا ذاكرة المحال والمقاهي في الشميساني (الفاروقي وأرابيسك) وحين كان الوكيل يتزعم احدانا من نوعٍ خاص كان لها نكهتها الطيبة والبساطة وخفة الدم والعفوية، استرجعت أنا شخصياً ضحكة عساف المجلجلة حين نتذكر طُرفة في نشرة أو قصة من عجائب قائمة الأخبار...
أمسية من الأمس القريب البعيد، استعدنا فيها أنفسنا ونقاءنا قبل أن تعصف ببعضنا مؤامرات النفوس البغيضة، وتفرق بعضنا الآخر أحلام المستقبل.. وتُبقي بعضنا الثالث على حلم الوظيفة والدرجة ومكتب الحكومة..
تذكرت سهر الليالي حين استعاد الأصدقاء الأربعة ليالي الصدق والصفاء والطيبة رغماً عن كل الفروق وترتيبات الزمن ولعبة شد الحبل التي تمارسها الدنيا معنا ببراعة..
كانت أمسية من ذلك النوع، ضحك الوكيل فيها من كل قلبه حتى بكت عيناه حين التقت صديق الأمس واليوم و(بكره) بسام، الذي لم تُقصر عيناه بدموع قالت ما قالت من صدق وحب.. قهقهة عساف وأقسم فيها شوتر بأغلظ الأيمان بأن ليلة كهذه تساوي ملايين الدنيا.. فيما داوود لا تفارقه حالة صمت يكاد أن يخترقها فرحاً بعودة اللقاء.. لولا تقاليد المكابرة التي لا نعرف لها ومنها مناصاً..
ليلة من زمن الصداقة الجميلة التي لا مصالح فيها ولا تضارب في المشاعر.. لعلها لا تعني أحدا إلا بما تحمل الصداقة من معان سامية ولكنها لي.. عنت الكثير.. اكتشفت أن من بين الأشياء العديدة التي ضاعت منّا.. تواصلنا..
شوتر، وكيل، بسام، داوود وعساف شكراً لكم.. لأنكم ضمنتموني مادة (الطيبة) لمقال هذا الأسبوع..
(الغد)