من جديد، وربما للمرة العشرين، عاد جلالة الملك عبدالله الثاني للحديث أمام سلطات الدولة الثلاث عن الثوابت الأردنية المعروفة، والتي أساسها أن الأردن ليس وطنا بديلا للفلسطينيين، وأن ما يتحدث عن ذلك واهم، وأن الأردن للأردنيين، وأن الفلسطينيين لا يرضون وطنا لهم غير فلسطين.
كلام الملك جاء بعد أن ارتفع منسوب اللغط السياسي بين رجال السياسة في عمان، حول خطة الإطار التي يتحدث عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لحل القضية الفلسطينية.
مشكلتنا في الأردن تتلخص في قلة من رجال الدولة السابقين، بعضهم متقاعد وبعضهم الآخر طامح إلى موقع مسؤولية، وبعضهم غاضب لاستبعاده من موقع ما، وعدم إرساله لموقع آخر. هؤلاء ينفذون أجندات شخصية، يعتمدون فيها على ضخ إشاعات باعتبارها حقائق واقعة، مستغلين قربهم في أوقات سابقة من دوائر صنع القرار في هذه الجهة أو تلك.
هؤلاء القلة القليلة يستخدمون الفضاء الإلكتروني حينا، وإطلاق الإشاعات في الأعراس والأتراح، والندوات والمنتديات، حيناً آخر، لإيصال ما يريدونه، ويقدمونه باعتباره أمرا واقعا في القريب العاجل، ويوهمون من يسمع بأنهم في الدائرة المغلقة لصنع القرار.
أولئك، وعلى مدى شهر وأكثر، واصلوا الحديث عما يحمله جون كيري في جعبته، والقول إن ما يقدمه يصل في نهاية المطاف إلى أن الأردن سيكون وطنا بديلا للفلسطينيين، متناسين أن الثوابت الأردنية واضحة منذ سنوات، وأن رأس الدولة قال مرات ومرات ومرات، أن الأردن لن يكون وطنا بديلا، وأن ذلك مجرد وهم.
أولئك وبحكم قربهم حينا من دوائر القرار، وبحكم وجود بعضهم أحيانا في موقع قرار، اعتبر مراقبون وساسة وحزبيون أن ما يقولونه ربما يصب في باب المعلومات غير المتداولة. ولهذا رأينا أحزابا سياسية تتداول، بحكم بعدها عن مطبخ القرار، ما يردده أولئك، وتصدر بيانات ضد الوطن البديل باعتباره أمرا واقعا، وأن المملكة مقدمة على تنازلات صعبة.
هؤلاء الذين اعتادوا بشكل موسمي ترديد "سيمفونيتهم" المشروخة تلك، وتعكير الصفاء المجتمعي الذي ينعم به الأردن ومواطنوه من شتى المنابت والأصول، ويعيثوا في نسيج وحدتنا الوطنية من دون وازع أخلاقي ومن دون أدنى خوف على نسيجنا الجميل، لا هدف لهم ولا مغزى ولا غاية إلا المحافظة على وجودهم تحت الضوء، وزيادة شعبيتهم باعتبار أنهم الصفوة الحريصة على الأردن وعلى ثوابته، والوحيدون الرافضون لكل المخططات التي تجري لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في الأردن.
جلالة الملك دوما يقطع الطريق على أولئك المزاودين، ويؤكد أن الأردن لن ولن ولن يكون وطنا بديلا. ويقول لأولئك المتاجرين والباحثين عن مناطق الضوء، كفاكم لعبا بنسيج بلادنا الجميل، كفاكم عبثا بأمنا واستقرارنا.
جلالته يعرف أولئك بالاسم، ويعرف أهدافهم وما يريدون، ويعرف أن السيمفونية الموسمية التى يعزفونها مهترئة، وأنهم لا يشكلون رقما صعبا في البنيان الأردني، وأن التهويل من شأنهم لا يقنع أحدا، وما يقولونه زبد لا ينفع الناس ولا يمكن أن يمكث في الأرض.
هي كلمة أطلقها جلالة الملك للجم تلك الأفواه التي لا تبحث إلا عن الضوء، ولا يهمها البنيان الاجتماعي أو اللحمة الوطنية.
(الغد)