قرأ الأردنيون، أول من أمس، نصّ الاستقالة المهذّبة والراقية، التي قدّمتها رئيس مجلس مفوضي هيئة المناطق التنموية والحرة، مها الخطيب، لرئيس الوزراء د.عبدالله النسور، بعد جلسة مجلس الوزراء (23 /2 /2014) التي حضرتها لمناقشة موضوع بيع قطعة أرض، مساحتها 42 دونماً، بسعر 75 ألف دينار للدونم الواحد.
وقرأنا توضيح النائب محمد السعودي، وهو من أصحاب شركة السنابل، ورد رئيس الوزراء في مجلس النواب، وكذلك ردّ وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، د.محمد المومني. وفي مجمل الرواية المضادة لرواية الخطيب واستقالتها، إشارة إلى أنّ تقدير سعر الدونم بـ75 ألف دينار جاء عبر رئيسة الهيئة نفسها، في كتاب مرسل لرئيس الوزراء، د.النسور، تطالب فيه مجلس الوزراء باتخاذ قرار فيما يتعلّق بـ"عرض موضوع البيع بذلك السعر" على مجلس الوزراء؛ ما إذا كان يريد الموافقة على بيع الأرض بالسعر المذكور أم لا!
بالرغم من كل الوثائق التي عرضها الطرف الآخر، فإنّ سؤالاً واحداً بسيطاً يُفقد الرواية الحكومية أي منطق في مواجهة مها الخطيب، وهو: إذا كانت رئيس الهيئة موافقة على سعر 75 ألف دينار للدونم؛ فلماذا استقالت؟ بل لماذا لم توافق هي على البيع بالسعر المطروح، وهي رئيس الهيئة المخوّلة بذلك، لكنّها أصرّت على عرض الموضوع على مجلس الوزراء؟ ولماذا تُعقد جلسة بحضورها، حيث تطرح رأيها بعدم "عدالة السعر"؟!
بالطبع، الجواب على هذه الدعاوى الهشّة يمكن قراءته بسهولة في نص استقالة الخطيب، حيث أشارت إلى أنّها رفضت إتمام البيع بالثمن المعروض، لأنّه يخالف الآلية المعتمدة وفق اتفاقية التطوير، ما يعني العودة إلى رئاسة الوزراء؛ إما لتعديل الاتفاقية، أو للموافقة على الثمن المطروح، وهو ما لم توافق عليه الخطيب.
الردّ على ردّ الحكومة يتمثّل في الكتاب الذي أرسلته الخطيب نفسها لرئيس الوزراء، بتاريخ 20 /1 /2014 (ومرفق نص الكتاب في تقرير "الغد" اليوم)، ويؤكد موافقة الهيئة على البيع، لكن "باستثناء الثمن، كونه لم يتم تحديد آلية التقدير المنصوص عليها في اتفاقية التطوير"!
لا مجال للشك في أنّ رد الحكومة فيه تلاعب بالمصطلحات، وفذلكة غير مبررة. إذ إنّ الخطيب لم تكن موافقة على البيع بهذا السعر، بالرغم من إلحاح بعض الوزراء والرئيس، ما استدعى عقد جلسة مجلس الوزراء. أمّا حديث الصديق العزيز، وزير الإعلام، بأنّ المجلس لم يسمع عن سعر الـ200 ألف دينار للدونم إلاّ شفاهة في تلك الجلسة، فالجواب عليه هو أنّ المطلوب كان تشكيل لجنة تقوم هي بتقييم الدونم، وهو ما لم تتم الموافقة عليه من مجلس الوزراء. هذا بينما تشير التقديرات إلى أنّ مستثمراً قطرياً اشترى مساحة محاذية لتلك الدونمات بمبلغ 200 ألف دينار للدونم. ومن المعروف أنّ سعر الأرض يرتفع بين فترة وأخرى!
ما قامت به مها الخطيب من "تدقير" واستقالة وإشهار لسبب الخلاف، هو بمثابة درس وطني مهم، من الواجب علينا أن نشكرها عليه، وأن نطالب المسؤولين الآخرين بالتعلّم منها معنى الوطنية والأخلاق والنزاهة.
الغد