بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نشطت المنظمات الدولية في العالم. ولعل أنشطها على الإطلاق المنظمات الأميركية، التي هي عبارة عن أذرع شرعية لوكالة الاستخبارات الأميركية.
ثم توالت هذه المنظمات بالتفريخ والتوالد، وجاءت كذلك منظمات من أوروبا وكندا وغيرها؛ وأصبحت لاعبا أساسياً في المشهد السياسي الداخلي للدول التي تواجدت فيها، ونسجت علاقات مع أفراد، وأنشأت مؤسسات محلية لتقوم بأنشطتها من خلالها. وما لبثت هذه المنظمات المحلية المدعومة دوليا أن بدأت في نهش جسد الوطن لتمرير مشاريع تفكيكها من الداخل. وحملت مشروعية لعملها، عندما وجدت من الدولة رعاية غير رسمية لها.
وبدأت بإعداد التقارير الدورية التي ترصد حركة الناس والمجتمع والاقتصاد والسياسة، بحيث أصبحت تقاريرها خطرا يتهدد أي تحرك يحاول الخروج عن الأطر التي ترسمها دوائر الاستراتيجيات في الدول التي تقدم التمويل.
أوكرانيا وجورجيا نموذج لعمل المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأميركية. في إطار تسميات "الثورات الملونة"، شهدت أوكرانيا في الفترة 2004-2005، سلسلة من الاحتجاجات، أعقبت جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، على خلفية ما تردد عن التزوير والفساد وترهيب الناخبين وسوء الأوضاع الاقتصادية. ودعمت أوروبا والولايات المتحدة ظاهرة "الثورات الملونة" مثل "الوردية" في جورجيا و"البرتقالية" في أوكرانيا، لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
وفي الأردن، سعت المنظمات الدولية إلى تقديم صورة لا تختلف كثيرا عن الصور التي رسمتها في البلدين المذكورين، بل إنها كانت تروج دوما لعدم ثقة الناس بالدولة، ما عزز هذا الانطباع لدى المواطن الأردني. وأصبحت الصورة النمطية التي تقدمها أذرعها من مؤسسات المجتمع المدني المحلية، عن الأردن سوداوية. وبدأ البعض منها بالبحث في قضايا لم تكن تشكل خطرا على المجتمع أو الدولة. فبدأ الحديث عن الأقليات التي هي جزء أصيل من المجتمع الأردني، وباتت قضايا المواطنة والهوية جزءا من عملها، ونبش موضوعات خلافية تؤدي بالمجتمع والدولة إلى الانقسام.
وأصبحت الأذرع المحلية للمنظمات الدولية طرفاً فاعلا في التأثير على عمل الحكومات، من خلال ما تقدمه من اقتراحات تتعلق بتعديل المنظومة القانونية، بما يتناسب ومشروع التفكيك الذي تقوده. ولم نعتبر من خطورة المنظمات المحلية التي تتلقى دعما ماليا وسياسيا غير محدود من الجهات الغربية والأميركية التي تدعمها، فبات لها سطوة كبيرة على مفاصل كثيرة في الداخل الوطني.
ولم تتم إثارة دور هذه المنظمات في المجتمع وتأثيراتها السلبية عليه. وفي أحيان كثيرة، أصبحت الحكومات والمؤسسات تخطب ودها وتسهل مهمتها. وفي ذلك السلوك استخفاف كامل بالأمن الوطني واستقرار المجتمع. في حين كان الأجدى البحث عن صيغ عملية تضبط وتراقب عمل ودور منظمات المجتمع المدني. لكن على العكس، نُسجت معها علاقات وثيقة، ما أدى إلى إضعاف صورة الدولة، واستخدام التقارير التي تقدمها للدول الممولة كأداة سياسية لتمرير قرارات سيادية تمس جوهر الدولة.
المطلوب إعادة النظر في هذه العلاقة مع المنظمات الدولية والمحلية، لضمان السيادة الوطنية!
الغد