أعترف إبتداء أنني من المبتلين بالأرجيلة « العجمي «. ولكنني مع قرار منع الأرجيلة في المقاهي بصورة مطلقة، لأسباب كثيرة أبرزها جملة المخاطر و المضار التي صارت تسببها ظاهرة الإنتشار السرطاني لمقاهي الأرجيلة. بسبب شدة إقبال شبابنا عليها، بل والصبيان من الجنسين. حيث بينت دراسة علمية ميدانية أن 13% من تلميذات الصف السادس الأبتدائي في الاردن يدخنَّ الأرجلية! فكم هي النسبة بين الذكور من الصبيان والشباب، وكم هي النسبة بين الشباب والكهول؟ وعلى ماذا تدل هذه النسبة المرتفعة، وماهي كلفتها الإقتصادية والإجتماعية ؟
وعند الكلف الإقتصادية نحب أن نقف، لنرد على بعض الذين يعترضون على قرار منع الأرجيلة في المقاهي والأماكن العامة، بحجة أنه يلحق ضرراً إقتصادياً بالعاملين في مجال تقديم الأراجيل من حيث مداخيلهم، لنقول لهم: إن الدعارة والمخدرات والتهريب والسرقة مصدر دخل لمن يمارسها. فهل يصبح ذلك مبرراً لإباحتها أو لعدم معاقبة من يمارسها؟ فمنذ متى صار الدخل المالي مبرراً لإباحة مصدره إن يكن هذا المصدر غير مضر وغير نظيف؟
وبمنطق الاقتصاد نرد ايضا، على هؤلاء المتذرعين بالخوف على مداخيل العاملين في حقل تقديم الارجيلة، بالقول: إن حجم خسائر الأردنيين من التدخين أكبر بكثير من عوائد المتضررين من قرار منع الأرجيلة، إذ يقدر حجم إنفاق الأردنيين على التدخين المباشر وغير المباشر بسبعمائة وعشرين مليون دينارٍ سنويا،ً ينفقها الأردنيون على السراب، في الوقت الذي يعانون فيه من ضائقة إقتصادية مريرة، تستدعي منهم توظيف كل فلس في مكانه الصحيح على المستويين الفردي والوطني، وبالتأكيد فإن التدخين ليس هو المكان الصحيح للإنفاق.. خاصة وأن هذا الانفاق يتضاعف، بسبب جشع غالبية العاملين في قطاع الارجيله، فهل يعقل ان تكلف الارجيله الواحدة باستثناء توابعها من خمسة الى ستة دنانير، علما بأن كلفتها الحقيقية لا تصل الى عُشر هذا المبلغ؟
ليس ما ينفقه الاردنيون على التدخين المباشر وغير المباشر هو الضرر الاقتصادي الوحيد للتدخين، ذلك أن الانفاق على معالجة مضار التدخين والارجيله في المقدمة أكثر من ذلك بكثير، فالتدخين سبب رئيس من أسباب السرطان الذي يصيب خمسة الآف أردني سنوياً، علماً بأن أربعين بالمائة من هذه الإصابات سببها التدخين، خاصة سرطانات الرئة والقولون والرأس والعنق والمثانة والدم. وليس خافياً على أحد إرتفاع كلفة علاج السرطان، الذي صار سبباً مباشراً لوفاة 15% من الوفيات السنوية للاردنيين. وكل هذا هدر إقتصادي لا يقاس به الدخل الذي تسببه الأرجيلة للعاملين بها، علماً بأن الأرجيلة ليست وحدها سبب ارتياد الناس للمقاهي، فهناك لعب الورق والطاولة، وهناك المشروبات بأنواعها، بالإضافة إلى أن هناك من يرتاد المقاهي للقراءة .. وكل هذه أسباب تخفف من الإضرار التي يتذرع به المعارضون لقرار منع الارجيلة .
غير الأضرار الإقتصادية المباشرة للتدخين عموما،ً وللأرجيلة على وجه الخصوص، فإن للأرجيلة أضراراً إقتصادية غير مباشرة تتمثل في ضياع أوقات طويله خاصة لشبابنا، وهم يتعاطون الأرجيلة في المقاهي، فيتحولون إلى قوة معطلة بدلاً من أن يكونوا قوة منتجة.وهنا لابد من التذكير بالقاعدة الاقتصادية التي تقول « الوقت هو المال».
سبب اخر غير السبب الاقتصادي تذرع به المعترضون على قرار منع الأرجيلة في المقاهي، هو الحرية الشخصية، وان الفرد مسؤول عن سلامته الشخصية. والرد على هذه الذريعة بسيط، ذلك أن المدخن يعتدي على سلامة الاخرين عندما يلوث أجواءَهم بالإضافة إلى أن سلامته ليست شأنه الشخصي فحسب، لأن علاجه يكلف المجتمع، ويزيد من الفاتورة الصحية على المستوى الوطني، وقبل ذلك كله فإن الحفاظ على سلامة الأشخاص وحياتهم ليست مسؤوليتهم فقط، بل هي مسؤولية مجتمعية .. لذلك جُرِّم الإنتحار على سبيل المثال.
غير الضرر الإقتصادي للتدخين عموماً وللأرجيلة على وجه الخصوص فإن للأرجيلة مضاراً أخرى، إذ صار تعاطيها مدخلاً لتعاطي أصناف أخرى مضرة بالشباب أخلاقياً وصحياً وإقتصادياً، مما يوفر سبباً إضافياً لمنع الأرجيلة في المقاهي والأماكن العامة.
كثيرة هي الأسباب الموجبه لإنفاذ قرار منع الأرجيلة، أولها: إحترام القانون، ذلك أن إستمرار تقديم الأرجيلة في المقاهي والاماكن العامة، يشكل استهزاء بدولة القانون، وضرباً للقانون بعرض الحائط، ذلك أن قانون الصحة العامة النافذ منذ عام 2008 يمنع التدخين في الأماكن العامة، وعدم تطبيق القانون كل هذه السنوات يشكل قصوراً فاضحاً لا يجوز استمراره، ومن ثم لا يجوز فتح باب النقاش حول القوانين النافذة التي استكملت جميع مراحلها الدستورية الا وفق القنوات الدستورية. لذلك فإن هذا الجدل حول قرار منع الأرجيلة يمثل استهتاراً بالقوانين النافذة لا يجوز استمراره والسماح به.
وعند الجانب القانوني نحب أن نتوقف أيضاً لنقول: إن بعض العقوبات التي يتضمنها عدد من القوانين في بلدنا غير رادعة، ومنها مخالفة قرار منع التدخين أو الاعلان عن الدخان، فما قيمة عشرة او عشرين ديناراً مثلاً على شركة أو صحيفة تتقاضى الآف الدنانير بدل نشر إعلان مخالف مما يوجب مضاعفة العقوبات لتكون رادعة ليس في مجال التدخين فقط بل حيثما كانت العقوبة واردة؟
(الرأي)