عادة مايعزو الناس غرابة بعض الأشخاص إلى العبقرية أو التفرد أو الإبداع. فلطالما نظر المجتمع إلى النابغة أو المبدع نظرة مختلفة، ولكن هل اقترب أحدنا من مبدع حقيقي ليتعرف إلى حقيقته وكوامنه ومشاعره.
تلفتني كثيراً صفة لازمت مبدعين كثر عبر التاريخ ، وهي الظروف القاسية التي خلقت تحدياً كبيراً في دواخلهم.
هل تصنع السعادة مبدعاً ، أو هل تولّد أريحية العيش رغبة التحدي ؟ أو أن غياب الشمس يجبر الانسان أن «ينضج في الجليد» ويحفزه كي ينبت أزهاره فوق سطح الصقيع.. السعادة لا تصنع مبدعاً يقول جبران، وان أصحاب النبوغ تعساء مهما تسامت أرواحهم، تظل مكتنفة بغلاف من الدموع.
يبقى الإبداع لصاحبه همّاً ذاتيّاً وغربة تستمد من القلق روحاً، غربة لا يعرفها إلا من كابدها. و كأن هذا التميز وليد وحدة اختياريّة مسكونة بمساحات الذهول ووجع السؤال. وعلى الأغلب فإن جنوحه نحو الابداع مغامرة، ما يلبث ينتهي من احد فصولها حتى يعود إليها بشوقٍ أكبر.
ننظر لهذا الكائن بغرابة، لكنّه ذو روح مرهفة وقابلة للكسر، مسكون على الدوام بحميمية التفاصيل.. واسع الجمال .. ينتمي إلى قضيتة حدّ التلبّس، وقد يشتبك مع البيئة الأقرب إليه كونه يجد نفسه محاصرا داخل زمن لا يعنيه ومكان لا يختصّ به ووجوه يكاد لا يعرفها، لهذا يصفه المقربون بالغامض والمتناقض والسرّي.
وحده المبدع يعزف وينزف في آن معاً، ووحده القادر أن يحتمل النضج على نار المعاناة والإهمال بهدوء، وهو الهادئ كسطح بحيرة موغلة في العمق.. الصاخب كموج البحر.
قدر المبدع غربته.. غربة ذاتية وغربة مجتمعية كلما اشتدت، تفجرت تجربته المختلطة بالعاطفة والمعاناة، وكلما تعمّقت، ترصّع إبداعه أكثر وتذهّب.
ولا تدري هل شقي بإبداعه أم شقي ابداعه به.. هذا الذي من بؤسه أن يتم تكريمه أو تذكّر وجوده وهو على فراش الوهن أو بعد موته في بيت متواضع !. كم ينقصنا التقدير لمبدعينا، فهم لا زالوا بيننا غرباء..
(الرأي)