هناك الكثير من المجتمعات المتخلفة اقتصادياً واجتماعياً، التي توجد بها نخب سياسية، تتقارب قيمها السياسية وتمتلك القدرة على التفاعل الديمقراطي، سواء بالتعاون الديمقراطي من خلال حكومات ائتلافية أو التنافس الديمقراطي من خلال أغلبية حاكمة وأقلية معارضة، فإنها تنتهي إلى عبور الاختبار الديمقراطي بنجاح وتكتسب الديمقراطية سمعة طيبة بين قطاع واسع من المواطنين بمواجهته فيما يرونها ذات تأثير سلبي على حياتهم ومعيشتهم.
لكن هناك جزء غير بسيط من الدول التي تتحول ديمقراطياً في بيئات متخلفة اقتصادياً واجتماعياً تنكسر ديمقراطيتها في الطريق وعليها أن تحاول مرات ومرات لإنجاحها وإعادتها للمسار الصحيح.
وفي سبيل إنجاح ديمقراطيتهم، عليهم أن يضعوا خلافاتهم جانباً ويعملون للصالح العام والنظر للقضايا الكبرى وليس للمصالح الفرعية والخاصة، كما أنه من الضروري عمل برامج سياسية واقتصادية واجتماعية يملكها العديد من النخب السياسية المتنافسة من أجل معالجة المشاكل التي يعاني منها المجتمع والدولة.
ان الأساس في الديموقراطية هو القيم وليس الاليات وحتى نجاري التقدم والانجاز العلمي والحضاري الذي تقدمت به الدول الاخرى لصناعة مستقبل ملئ بالقيم الحميدة .فما لنا الا ان يقوم عقلنا العربي بامتلاك تلك القيم ويزرعها في ارضه ولا يستوردها من الخارج، سيكون المستقبل كما نصنعه ونطوره ليخدم اغراض امتنا ونسير بها لبر الامان.
لا يستطيع ربان السفينه الشراعية تحديد الاتجاه الذي تعصف به الريح ولا مدى قوتها, ولكنه يستطيع توجيه اشرعته ,وهذا يحدث فرقا هائلا.حيث الريح نفسها قد تهلك بحارا مبتدئا ا و متهورا او مترددا او تقود بحارا اخر الى بر الامان.
ان اسقاط الاستبداد وانهاء التسلط يتطلب مجهودا ومعرفة لبناء دولة القانون والحريات ومجتمعات الديموقراطية لكن يبقى الفكر متواريا شيئا ما في عصور التردي والارتباك وعندما تستقر الامور ستظهر الافكار العظيمة التي اثرت العالم العربي ودعت لتطوره وتقدمه وازدهاره .ان الحراك السياسي في العالم العربي هو تعبير دراماتيكي عن مجموعة الاخفاقات التي حصلت داخل البنى الثقافية والسياسية والاجتماعية ولكن التخلف لا يمكن اجتثاثه من البنى الاقتصاديه والادارية والتعليمية دون اجتثاثه من البنى النفسيه ودون ذلك لا يمكننا النهوض والتقدم.
واما هدف مقومات النجاح والفشل السياسي فانه يعود على تصرفات المجتمع والاسس التي تبني عليها نظامها السياسي وتعتمد على الخلفية النظرية التي تتبناها.
لقد نشأ الفكر العقلاني في اوروبا كأساس لبناء مجتمع تعددي منفتح في العصر الحديث مع بداية الثورة العلمية خاصة مع اكتشاف نيوتن قوانين الحركة والجاذبية.
تأثر الفلاسفة بهذه الانجازات واعتقدوا ان لها انعكاسات مهمة فيما يخص النظام السياسي وعلى علاقة الفرد بالمجتمع والسلطة .
فاذا كان للكون قوانين عقلانية يمكن فهمها فلماذا لايكون هناك شئ مشابه يحكم المجتمع ,بعيدا عن أهواء الحاكم او السلطة واذا كان العقل الانساني بامكانه فهم نظام الكون,فمن حق الفرد المتوج بهذا العقل ان تصان استقلاليته وان يحترم حقه ويسمع رأيه.
بالعودة إلى تسعينات القرن الماضي، لم تبدِ الأنظمة العربية أي نوايا لتغيير نوعي في مجالات الاقتصاد والسياسة، بل على العكس اشتدت ظاهرة نهب المال العام والإفساد المالي والإداري في غالبية الدول العربية، في الوقت الذي تتطلع الشعوب العربية إلى بناء مؤسسات تعبّر عن ديناميكية المجتمع وقدراته وقواه الحقيقية وكفاءاته المتشعبة.
لقد انعكست سياسات النظم السياسية العربية على كافة مناحي الحياة، ومن بينها الحياة الاقتصادية، وتجلّى التعبيرعن ذلك من خلال سوء توزيع الدخل القومي للدول العربية، حيث تحكم أقلية من السكان التي تعيش في كنف النظام السياسي القائم بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، في حين بقيت أكثرية المجتمعات العربية عرضة لتفاقم ظاهرة الفقر والبطالة في غالبية الدول العربية، ويلاحظ أنه 20% من سكان الوطن العربي يستحوذون على 90% من الدخل القومي، الأمر الذي يجعل أكثرية السكان تحت خط الفقر المدقع، ويضعف بالتالي خياراتهم من صحة وتعليم ورفاه اجتماعي وتتراوح معدلات البطالة في الدول العربية بين 9-30%.
وتشير بحوث متخصصة أن معدل الامية في الدول العربية بحدود 36% بين البالغين، 19% بين الشباب وتزداد النسبة بشكل واضح بين الإناث منهم.
ولإتمام عملية التحول الديمقراطي هو وجود دولة قوية وطنية يشترك بها جميع فئات الشعب من خلال وحدتهم الوطنية، والديمقراطية يتعين أن يتعلمها المرء في مدرسة الديمقراطية ونتعلم كيف نتحاور وكيف نختلف وكيف يحترم كل منا الرأي الآخر، دون تعصب ودون رفض لآراء الآخرين بهذا نستطيع بناء بلد حديث ونستعيد مكانتنا واحترامنا بين الدول.