يفرض تنظيم القاعدة نفسه لاعبا اساسيا في المنطقة الممتدة من افغانستان شرقا وحتى الصحراء الكبرى غربا ومن سوريا شمالا إلى الصومال جنوبا، بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع تنظيم القاعدة ومنهجه، ولا يمكن لاحد في العالم انكار ذلك، فهو تعبير حقيقي عن عصر العولمة، والقدرة على اثارة الرعب والقلق والمتاعب من واشنطن إلى موسكو مرورا بلندن وباريس ومدريد وعواصم عربية متعددة.
ربما تكون الرسالة التي ينبغي ان يسمعها الدكتور ايمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة ومرجعها الاول في العالم هو ضرورة ظهوره علنا بالصوت والصورة للتبرؤ مما يسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام او ما يعرف اعلاميا "داعش وعصابة البغدادي"، التي تعيث في الارض فسادا وقتلا واجراما، ودعوة الشباب في العالم كله إلى عدم الالتحاق بهذا التنظيم المارق لانقاذهم من الفتن والموت العبثي، بعد جرائمه الكثيرة واخرها قتل القيادي ابو خالد السوري.
لقد تحولت القاعدة إلى تنظيم بلا هدف او استراتيجية او مقاربات سياسية او برامج وحلول للمشكلات التي تمر بها الامة، وهو لا يقدم غير الدعوة للقتال، فهل القتال وحده يكفي لتغيير حركة التاريخ؟ وهل استطاعت القاعدة ان تحقق ان اي انجازات بعد مشاركتها بدحر القوات السوفيتية من افغانستان بمساعدة الشعب الافغاني نفسه؟
الاجابة هي النفي، فقد عجز تنظيم القاعدة عن تحقيق انجاز مماثل في العراق بسبب فقدان الحاضنة الشعبية، ودخوله في مواجهات مع الصحوات، كما عجز عن تحقيق انجازات كبيرة في سوريا بسبب الانقسامات والقتال بين "داعش" وجبهة النصرة" والجيش الحر والفصائل الاخرى، وهذا يعني ان القاعدة تحولت إلى عبء على سوريا وثورتها بدل ان تكون عونا لها، مما اعطى الدول الفاعلة في سوريا، اقليما ودوليا، مبررات للتامر على الشعب الشعب السوري وتركه حيدا في مواجهة الحرب الدموية التي يشنها نظام الأسد الارهابي، ودفعت بعض الدول، العربية والاجنبية، إلى تقديم اولوية محاربة القاعدة على نظام الأسد في سوريا، مما اضر بالثورة والشعب وهذا امر لا يخفى على احد.
الامر الاخر الذي ينبغي ان يدركه الدكتور الظواهري هو ان محاربة "تنظيم القاعدة" تحول إلى شماعة لانتهاك سيادة الشعوب والافراد وسن القوانين المقيدة للحريات وغض الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان والتجسس والتنصت على كل فرد من افراد المجتمع، واطلاق ايدي الحكومات لرصد ميزانيات عسكرية وامنية ومخابراتية ضخمة على حساب حاجات الشعب الاساسية، مما زاد من منسوب الدكتاتورية العلنية والخفية في العالم تحت شعار "محاربة الارهاب".
حري بالدكتور الظواهري ان يعلن "حل تنظيم القاعدة كليا"، لكي يختفي عن الساحة العالمية، لالغاء الشماعة التي يتخذها الفاسدون والطغاة وكهنة الاستعمار من اجل زيادة الميزانيات العسكرية وشن الحروب على الدول بحجة "التصدي للقاعدة" ومحاربة الارهاب.
هذه الخطوة صعبة جدا من الناحية المعنوية، فكيف يمكن لقيادي مثل الدكتور الظواهري ان يصدر قرار بحل تنظيم قارع روسيا وامريكا معا، ويلغي تاريخا طويلا من القتال ضد الاستعمار، لكنها في المقابل ممكنة عمليا، فالقاعدة لم تعد تنظيما موحدا بهيكلية حقيقية، بل تحولت إلى عناقيد ايديولوجية دون رابط تنظيمي، مما اتاح الفرصة امام الكثير من الدول للاختراق هذا التنظيم واللعب به وتوظيفه، وافضل مثال على ذلك "داعش" التي انهكت الثورة السورية.
حل تنظيم القاعدة واعلان نهايته سيخلط الاوراق في العالم، وسيجبر الحكومات والاجهزة الامنية على "اعادة تعريف العدو"، وسيمنح الشعوب صوتا عاليا في مواجهة "عسكرة العالم" واستنزاف اموال الناس في الحروب، واذا ما اختفت القاعدة وسقطت ورقة محاربة الارهاب، فاي عدو ستعلنه امريكا وروسيا وغيرها من الدول، لقد حان الوقت لاختفاء تنظيم القاعدة عن المشهد واسدال الستار عليه لانه استنفذ اغراضه وتحول إلى عبء على العرب والمسلمين والعالم.
hijjawis@yahoo.com