طفل معجزة في رتبة أستاذ متميز
وليد المعابرة
25-02-2014 02:42 PM
إنه طفل عبقري، يمتاز بقوة فكرية مذهلة، ويتمتع بطاقة فطرية وإبداع غير منتاهٍ، فهو يمتلك ذكاءً مرتفعاً، فضلاً عن سِمات معقدة تؤهله لإنجاز مهارات ووظائف الإنسان الموهوب بطريقة تلفت أنظار المشاهدين لتحركاته العادية وغير العادية في إنتاج ما هو جديد ومختلف وخارج عن المألوف، فقد تجاوز عقلُه سـنـّـه، مما دعا المفكرين والعلماء لتحسس تلك العبقرية، والنظر لإنجازاته وطريقة تفكيره، معلنين أن هذه الطريقة من التفكير لم يرتدها أحد إلا قليل القليل، وأن تلك العبقرية ستقفز به قفزاً إن لم تكن تطير به طيراناً، لتسير به قدماً على درب الإبداع وتحقيق الإنجازات المفيدة فكراً وعملاً.
بدأت قصة الطفل "سهل معابرة" منذ أن كان طفلاً لا يتجاوز من عمره سوى عام ونصف العام، عندما كان في عامه الأول يستخدم ألعاب الأطفال بطريقة غير تقليدية، فينتج منها شكلاً هندسياً غريباً يعكس قدرةً كليةً عامةً على القيام بفعل مقصود، والتفكير بشكل عقلاني متفاعل مع البيئة المحيطة به بكفاية وإدراك، إضافة إلى قدراته العجيبة في تحليل المفردات وحساب الأرقام الكبيرة، علاوة على حل المشكلات والقدرة على الإفادة والاستفادة من الخبرات وتعلم المعلومات الجديدة. وذات يوم، دخل أبوه إلى غرفته التي كان ينفرد بها، فوجده قد رتب مكعبات "الليجو" بطريقة تجلب الدهشة، حيث اختار لها شكلاً مستقيماً من غير اللجوء إلى أية وحدة مساعدة، فضلاً عن المسافة بين كل مكعبٍ وآخر هي مسافة متساوية تعادل (10سم) دون استخدام أية وسيلة من وسائل القياس المعروفة، فيخامر الناظر إليها شعوراً يولجه في عالم بديع لا تصنع مسافاته الدقيقة إلا الحواسيب الإلكترونية.
أما في عامه الثالث، وعندما كان أبوه يصطحبه في تجوالاته مستقلين سيارتهم، إذ تفاجأ أبوه بأن الطفل "سهل معابرة" ينتبه إلى عداد المركبة، ويقوم بحساب كمية الكيلومترات بأسلوب علمي ممنطق، تعتريه الدقة والإبداع، حيث كان يخبر أباه إنه إذا ظل سائراً بهذه السرعة؛ فإنه سيصل إلى المكان الذي يسير إليه بعد مرور وقت يحدده له الطفل بالثانية، إن لم يكن بأجزاء الثانية، هذا على اعتبار أن المركبة تسير ضمن المعطيات التي قام الطفل بحساب مسافتها.
تطور الأمر، في السنة الخامسة من عمره، ففتئ الحاضرون للجلسات الاجتماعية التي تجمعهم بالطفل "سهل"، يدركون البدهيّة التي يمتلكها بين حفظ الأرقام والتواريخ، والعمليات الحسابية التي يجريها خلال ثوانٍ لا تتعدى عُشر الدقيقة الواحدة، حيث قام أحد الحاضرين بتوجيه سؤال يحتاج إلى برنامج حاسوبي مصمم لهذه الغاية، كان مضمونه الاستفسار عن تاريخ يعود لعشرات السنين، فما على الطفل "سهل" إلا أنه وبلهجة الواثق، قام بإجراء عملياته الحسابية وإعطائه نتيجة، أُجبرَ فيها الحاضرون على اللجوء إلى استخدام البرامج الحاسوبية؛ لتتبين أن نتيجته كانت صائبة باليوم والساعة، وهكذا دواليك...، حتى ازدادت الأسئلة في ذلك الخصوص، وبدأ الطفل "سهل" يتلقى السؤال تلو السؤال؛ ليعطي الجواب الصائب تلو الجواب، فازدانت العبقرية في عيون الحاضرين حينئذٍ، وبدأت عملياته الحسابية تكبر إلى أن تطور الأمر، فبات "سهل" اليوم مستعداً لإعطاء نتيجة تتعلق بآلاف السنين من قبلِ تاريخنا هذا ومن بعد.
وفي يوم من الأيام، وفي سن السادسة من عمره، قامت معلمة الطفل "سهل" بإبلاغ مديرية التربية والتعليم في منطقة إربد الأولى، معبرة عن تميزه وإبداعه، فقام مدير التربية مشكوراً بتنظيم نشاطٍ مدرسي خاصٍ، يعرض إنجازات الطفل على غيره من التلاميذ، واصفاً إياه بأنه طفل معجزة، ويجب الاهتمام به ورعايته رعاية تليق بالمبدعين والعباقرة؛ ولكن مسيرة التفاؤل قد توقفت لعدم وجود الإمكانات التربوية لرعاية مثل هؤلاء النفر من المتميزين.
وظل الأمر عالقاً، إلى أن تقدم الطفل "سهل" لبرنامج "نجم الأردن" الذي تتبناه قناة "رؤيا الفضائية"، ضمن مئات المشتركين، وبعد أن خضع "سهل" إلى الشروط المعدة لإفراز المتميزين، واستخلاص مستحقي الترشح لـ "نجم الأردن"، فقد حاز طفلنا المعجزة على ثلاثة ألقاب من بين عشرين مشتركاً، طامحاً بأن يحصل على المركز الأول بجدارة وتفوق.
قبل أيام قليلة، كنت جالساً إلى جانب الطفل "سهل معابرة"، مستمعاً لأجوبته الدقيقة، أقارن بين النتائج التي يخرجها بعملياته الحسابية والنتائج التي يخرجها جهاز الكمبيوتر، مستمتعاً بعظمة هذه العبقرية، فجال في خاطري أن أوجه له سؤالاً لم يعتد عليه من قبل، فرسمت له جدولاً يتكون من خانات عدّة، قاصداً الكشف عن إمكاناته في إيجاد وتفسير العلاقة الرياضية التي تُبنى عليها المضاعفات الرقميّة، فرسمت له دائرة صغيرة في الخانة الأولى من الجدول، ودائرتين في الخانة الثانية، ثم أربع دوائر في الخانة الثالثة، وطلبت منه تعبئة الخانات المتبقية من الجدول...، وبعد فترة لم تتعدَّ الثواني؛ قام الطفل "سهل معابرة" بكتابة الأرقام بشكل مضاعف، حيث كتب في الخانة الرابعة الرقم (8)، وفي الخانة التي تليها الرقم (16)، ثم (32)، ثم (64)، ثم (128)، ثم (256)، إلى أن وصل إلى ملء جميع خانات الجدول بأرقام تجاوزت عشرات الآلاف، ولو استمر الأمر ولم تنتهِ الخانات الفارغة، لتجاوزت أرقامه الملايين.
إن ما يهمني في هذا المقام، هو أن مثل هذا الطفل لا ينبغي لنا أن نخضعه لعمليات تصويت العوام من الناس فحسب؛ لتكون النتيجة إيجابية أو سلبية محكومة بعدد الأصوات التي يدليها الناس من خلال جوّالاتهم، ولكن ما يجب علينا فعله هو الاهتمام بهذه القدرة التي يمتاز بها الطفل "سهل معابرة"، وإخضاعها لأسس علمية ممنطقة، تقوم على قاعدة أساسها الاهتمام، ومضمونها الرعاية المطلقة له، وآخرها صناعة عالِمٍ له ثقله العلمي، فيعود نفعه على الوطن بخاصة، وعلى البشرية بعامة.
أريد أن أقول، بعد أن صار الكلام وليس الصمت من ذهب: إن مثل هذا النوع من البشر يُعتبرون حلولاً تبحث عن مشكلات، وإن استثمار طاقاتهم المختزنة، يدل على مستوى الوعي لدى أية دولة ولدى أي شعب، وحيثما كان الاهتمام بهم يحظى بمكانة رفيعة وذات شأن يتناسب مع قدراتهم العقلية؛ سيدل ذلك على أن هذه الدولة متقدمة واقعياً وحضارياً وعلميّاً، وحيثما وجدنا الأمر معلقاً بين إدلاء الأصوات وتشجيع المشجعين فقط؛ فإننا سندرك أننا أمام جهة لا تعرف مصادرَ قوتها ولا أسس نهضتها.
وإنني من مقامي هذا أناشد جلالة ملك البلاد، الملك عبد الله الثاني المعظم، طارقاً باب الرجاء عنده، واضعاً ندائي بين يدي جلالته، أن يصدر أمره في رعاية هذا الطفل والاهتمام به اهتماماً يليق بالمبدعين من أبناء الأمتين، سائلاً المولى عز وجل أن يديمه ذخراً وسنداً للمتميزين.