المَلِكُ .. غَضَبُ الحَلِيم
محمد حسن التل
25-02-2014 01:25 AM
عندما كان الملك عبدالله الثاني أمس الأول، يتحدث إلى كبار رجال دولته، كانت لهجة الغضب باديةً على وجهه ونبرات صوته، لأنّه شعر بأنّ أرباب الفتن اقتربوا بنعيقهم من الخطوط الوطنية المحرمة من جديد، فهبّ كعادته
-وهو الحليم بطبعه- ليصفع الوجوه الصفراء لهؤلاء، وليفضحهم... هؤلاء الذين يعملون في الظلام لإرباك الحياة الأردنية، التي تمضي بأنموذج مميّز بالثبات والاستقرار، في منطقة تحرقها نيران الفتنة، وتنهشها مؤامرات القتل الحرام، هؤلاء ينظرون إلى الأردن من عينٍ رمداء، ويحاولون إظهاره كياناً وكأنّه لا أساس له، وتناسوا الحقيقة التاريخية، أنه من أكثر الكيانات العربية شرعيّة وثباتاً، ولو أنّ الأحداث والمؤامرات التي مرّت عليه مرّت على دول أخرى، لاختفت عن الخريطة منذ أمد بعيد.
الملك عندما يضطر في كلّ عام، أنْ يتحدث ويدحض مفهوم الوطن البديل، هذا المفهوم الأسود الذي أصبح عنده وعند شعبه، إسطوانة مشروخة ومملّة وغير نظيفة، أصحابها ثلّة مشبوهة مريضة، تتكسّب شهرة وحضوراً من هذا الموال الرخيص، يضعنا جميعا أمام مسؤولياتنا الوطنيّة والتاريخيّة.
الأردن ليس أرضاً بلا شعب، وليس خيمةً تلعب بها رياح السموم، الأردن وطن وشعب وقيادة تمتلك الشرعيّة الدينيّة والتاريخيّة، مع شرعيّة الثورة، ودولة حاضرة في كل مفصل من مفاصل الساحة الدولية، وشعب ضارب الجذور في عمق التاريخ، وأرض ارتسمت على كل مفصل من مفاصل الزمان، لم ولن يكون مكان للفتنة وتجارها.
تشرفتُ أنا وعدد من زملائي، بمرافقة الملك في جولاته الخارجية لأكثر من مرّة، ولمسنا بالواقع كم يتمتع الأردن بالثقل السياسيّ على السّاحة الدوليّة، وللأسف الشديد، نحن هنا على السّاحة الداخليّة، لا نُعطي هذا الثقل حقه، ولا نريد أن نفهم معناه، بل على العكس، عندما نسمح لقلة قليلة أنْ تنال من هيبة الأردن كوطن وكيان سياسي، نكون قد ظلمنا أنفسنا وقيادتنا وأردننا.
أصبحنا نخجل من الملك عندما يضطر -كما أشار الملك نفسه- لتكرار الحديث عن هذا الموضوع، وكأننا فقدنا الثقة بأنفسنا وبوطننا، وللمفارقة أنّ الموال المشبوه لمفهوم الوطن البديل، لا نسمع عنه إلا في عمّان، من مجموعة محصورة في صالونات العاصمة، التي أزعجتنا بالتنظير الذي لا تفوح منه إلا رائحة الفتنة، وكما قال الملك، فهم معروفون، ولكنْ علينا جميعاً مسؤولية وطنيّة وتاريخيّة، بمختلف مواقعنا الشعبيّة والرسميّة، ألا نترك الملك وحيداً في الدفاع عن الأردن، فيكفيه الجهاد على الجبهة الخارجيّة، للحفاظ على حقوق الأردنّ ودعمه، لذا يجب علينا -دون استثناء- التصدي بحزم وقوة لهؤلاء الصّغار، وصفعهم على جباههم حتى يتراجعوا عن غيهم، لتكون جبهتنا الداخليّة أكثر تماسكاً، وأكثر قوة، ويظلّ ظهر القيادة آمناً كما يجب أنْ يبقى دائماً.
الأردنّ للأردنيين، ولكلّ الأردنيين من شتى منابتهم وأصولهم، وفلسطين لأهلها، ومن قال إنّ الفلسطينيين سيرضون بغير وطنهم؟! فلسطين ليست مجرد قطعة أرض، حتى يرضى أهلها بغيرها، وفلسطين بها ولها شعب، وليسوا سكانا يرضون بأي شيء يُعرض عليهم خارج حدودهم الطبيعيّة،
وبعد كلّ هذا الجهاد، وهذه العذابات، اللذين يمتدّان لعمقٍ زماني أكثر من قرن، فلسطين قضيّة شعب وأمة لا بديل عنها، ودونها خرط القتاد عند الأمة، وفي مقدمتهم الهاشميون، الذين قدّموا منذ فجر التاريخ أرواحهم وعروشهم وأموالهم في سبيلها، ولن يرضوا اليوم بعد كلّ هذا الجهاد الطويل، أن يساوموا عليها، فالموقف الأردني ثابت تاريخياً، برفض أي حلّ مُجحف بحقّ الشّعب الفلسطيني، ورفض أي تسوية ظالمة له، ورفض أيّ فكرة يكون الحلّ من خلالها على حساب الأردن، الذي بناه أبناؤه، وبنته قيادته بالشّهادة والدم والعرق.
لقد تَعبنا من تجارة وتجّار الأوهام.... فلتصمت كلّ الأصوات النّاعقة....
ما عاد للصّمت مكان بعد اليوم أمام هؤلاء، وكلّ واحد منا بعد الصّرخة الملكيّة أصبح أمامه واجب وطني للدفاع عن حرمة الوطن وشرعيّته، وكلُّ من يَصمت عن هؤلاء يصبح شريكاً معهم، وإذا اضطر الملك أنْ يتحدث عن الموضوع مرة أخرى، فكلُّنا مُلامون، وكلُّنا مسؤولون أمامه وأمام النّاس.
(الدستور)