المؤشرات المرعبة التي أظهرتها نتائج الثانوية العامة، التي تقول إن عددا كبيرا من المدارس في بعض المحافظات والألوية البعيدة، والمناطق النائية لم ينجح بها أحد، وبعضها حصل على نسبة منخفضة جداً، ما أدى إلى ارتفاع بعض الأصوات التي تلوم وزارة التربية والتعليم على منهجيتها وتشددها في إدارة الامتحان.
وفي هذا السياق ينبغي الالتفات إلى جملة أمور، أهمها:
أولاً : ان جهود وزارة التربية التي بذلتها في سبيل منع الغش وضبط الإجراءات، ومنع التسريب، ومقاومة المافيات التي استثمرت في هذا الموضوع بطريقة تخلو من الحس الوطني، وتخلو من معاني الانتماء، أسفرت عن كشف الحقيقة المرة حول مستويات التدريس وأوضاع التعليم المزرية في هذه المناطق، وكشفت حجم الخلل المتراكم عبر السنوات السابقة.
إن كشف الخلل يمثل الخطوة الأولى على طريق الإصلاح التربوي، ويمثل إجراءً ضرورياً للوقوف على الحقائق، التي تم التستر عليها عبر إجراءات غير موفّقة، وأقل ما يقال عنها إنها خادعة ومضللة.
التشدد في الإجراءات لم يكن سبباً بتدني نسبة النجاح بقدر ما كان كاشفاً للمستوى الحقيقي، والمشاكل الكارثية التي يعاني منها التعليم، وبناء على ما سبق فإنه حق على كل المهتمين بهذا الجانب من سياسيين وتربويين وباحثين ومؤسسات طلابية وحكومية أن يبذلوا جهدهم في اقتراح الحلول القادرة على معالجة هذا الوضع، و تجاوز المشكلات والمعوّقات المستعصية أمام التقدم الحقيقي.
أما الأمر الآخر الذي يجب أن يكون محلاً للدراسة، فهو أن الحلول السابقة التي وضعت تحت بند المناطق الأقل حظاً، وتوزيع المقاعد الجامعية تحت مسميات كثيرة، أو التساهل في الغش، من باب التسامح، فهذا كله لم يشكل حلاً، ولم يعالج الضعف على الإطلاق بل الحقيقة المذهلة التي نلمسها أن هذه المنهجية أسهمت بتعميق المشكلة واتساع نطاق الضعف التعليمي وإدامة التخلف وتأخير عملية التقدم بكل تأكيد.
يجب أن تبادر وزارة التربية والتعليم إلى وضع خطة مستعجلة للإسعاف والإنقاذ الفوري، ويجب وضع خطة موازية بعيدة المدى من أجل تحقيق الإصلاح بطريقة استراتيجية، ويمكن التفكير بحل سريع يقوم على مضاعفة رواتب المعلمين الذين يمارسون مهنة التعليم في المناطق النائية وذات الظروف الصعبة.
بخاصة في مجالات الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزية، التي شكلت علامة فارقة في مستوى التحصيل المتدني، بالإضافة إلى الشروع في إيجاد سكن وظيفي ملائم للمعلمين المغتربين، يحوي كل الاحتياجات بطريقة مدروسة، تجعل الإقبال على هذه المناطق مجدياً ومعقولاً، بالإضافة إلى تسهيل المواصلات، وحفظ كرامة المعلم.
نحن أمام فاجعة حقيقية، لها أثرها الكبير والعميق والممتد عبر الزمان المستقبلي على مستقبل الأجيال ومستقبل الوطن، ما يجعل التفكير بمعالجتها أولوية قصوى لدى الحكومة و كل أصحاب المسؤولية و من له مساس بالقرار.
إن التفكير في رفع مستويات الدخل للمعلمين، ولكل المشتغلين بصياغة العقول، وصقل الوجدان وبناء الإنسان أمر ضروري ومنطقي، حيث أن المشكلة المادية ينبغي أن تكون أسهل المشاكل وأقلها شأناً، ويمكن أن تكون مهمة وزارة التخطيط استجلاب المنح في هذا الشأن.
إن الكلام عن رفع المستوى المعيشي لا يعني -بأي حال- إهمال الشان المتعلق برفع المستوى المهني للمعلم، ورفع المستوى العلمي وتحسين أساليب التعليم، واكساب المعلم طرائق التدريس الحديثة.
بالإضافة إلى الاستفادة من التجارب الناجحة في بعض الأقطار المتقدمة التي استطاعت حل مشاكلها بطريقة صائبة وسليمة وناجعة.
(الدستور)