من الطبيعي أن يطالب أعضاء في مجلس النواب بإعلان حالة "الجفاف" بسبب انحباس الأمطار، ما ينذر بنتائج وخيمة على رصيدنا المائي المحدود للغاية، وعلى المواسم الزراعية، وحتى على الحالة المعنوية للمواطنين الذين يجدون مظاهر الجفاف في لسعات البرد القارس الخالي من المطر!
ما يرفع من جرعة الإحباط من تأخّر الأمطار، أنّ حالة الجفاف التي يشعر بها المواطنون تتجاوز الظروف المناخية، لتصل إلى التعليم والثقافة والاقتصاد، كما إلى الحياة السياسية التي تبدو وكأنّها في حالة خواء وحلقة مفرغة، مع فقدان الناس لشهية الحديث في أيّ شأن سياسي محلّي!
المفارقة أنّ هذه الحالة من الجفاف أصابت المعارضة السياسية أيضاً، والتي كان من المفترض أنّ تتحوّل حالياً إلى "خلية عمل" فعّالة ونشطة؛ لتقييم الوضع الراهن واستثمار الركود الحالي والأوضاع الاقتصادية والوضع الإقليمي، وانعكاسات الأزمة السورية على الأردن، وتداعيات ما يحدث في العراق ومصر ولبنان على المنطقة.
على النقيض من ذلك، نجد أنّ المعارضة في أضعف حالاتها، وفي مرحلة ركود وكسل ملحوظة، كما في حالة تفكّك عميقة، حتى إنّ موضوعاً حيوياً أيديولوجياً، بالنسبة لأحزابها، مثل الحديث عن خطة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لم يستطع أن يوحّدها مرّة أخرى، فخرج كل تيار يعبّر عن رفضه، بصورة بائسة، وحده!
خلال الأشهر الماضية، تعرّضت قوى المعارضة لضربات موجعة وقاسية، انتهت إلى تراجع موجة "الحراك" الشبابي، المحدود أصلاً؛ وانقسامها على نفسها تجاه ما يحدث في سورية (في الموقف من نظام بشار الأسد)، وما يحدث في مصر (تجاه الانقلاب العسكري وما بعده). ما استرجع الخلافات الأيديولوجية والتاريخية القديمة بين الإسلاميين من جهة والقوميين واليساريين من جهة أخرى!
هذه الخلافات أصابت لجنة التنسيق بين أحزاب المعارضة، والجبهة الوطنية للإصلاح بقيادة أحمد عبيدات. ولم تُفلح محاولات رأب الصدع ولمّ الشمل لتوحيد القوى المشكّلة للجبهة؛ إذ اشترط القوميون أن يكون تمثيل الإسلاميين في جبهة الإصلاح من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي، وليس جماعة الإخوان المسلمين، وهو الأمر الذي رفضته قيادة الجماعة. وما تزال الأمور عالقة بهذا الاتجاه!
حتى قوى الحراك الشبابية المحدودة أصلاً، ليست متماسكة، بل تجتاحها خلافات وانقسامات داخلية لاعتبارات متعدّدة، تتداخل فيها العوامل الشخصية والسياسية. لكن ما يجمعها جميعاً هو أنّها فشلت في تقديم خطاب متماسك موحّد حول مفهوم الإصلاح المطلوب، ومراحله، وخطواته!
هل هذا المشهد يخدم الدولة، ويعزّز من الاستقرار السياسي، ويؤكّد على "صحّة" السياسات الرسمية"، ويدفع بـ"مطبخ القرار" إلى الشعور بالاطمئنان؟ أم أنّ الأمر معكوس تماماً؛ فهو مؤشّر على مزاج اجتماعي-سياسي سلبي، وبنية اجتماعية مفكّكة، وعجز في اللعبة السياسية عن تجديد قواعد الشرعية السياسية؟
هل من مصلحة "السيستم" ضعف المعارضة السياسية، أيّا كان لونها؛ وعدم وجود قيادات سياسية في الطرف الآخر من المعادلة، ضمن اللعبة السياسية، أم العكس تماماً؟
هل مثل هذا "المناخ السياسي الجاف" دلالة على ارتياح عام في الجبهة الداخلية، وقبول بما تمّ تحقيقه من مشروع الإصلاح والديمقراطية، أم أنّه على النقيض من ذلك؛ إعلان عن الإحباط واليأس من تحقيق التغيير السلمي التدريجي المطلوب؟
أحسب أنّ كلاً من الدولة والمعارضة والقوى السياسية المختلفة تحتاج إلى أن تقف مع هذه الأسئلة، ومناقشة الإجابات المحتملة عليها، بما تحمله من دلالات وإشارات في غاية الأهمية.
الغد