تمكنت المعارضة الاوكرانية من حسم النزاع بسرعة مع الرئيس فيكتور ياكونوفيتش ودفعته إلى مغادرة القصر الرئاسي واقالة وزير الداخلية واستقالة رئيس البرلمان والغاء قوانين الارهاب واصدار قوانين تمنع وزارة الداخلية من التدخل والعودة إلى دستور 2004، اي انها تمكنت من تحقيق جميع مطالبها الاساسية بعد شهرين من محاصرة القصر الرئاسي.
هذا الانتصار "المؤقت" للمعارضة الاوكرانية لم يكن ليحصل لولا تحرك اوروبا السريع، واستنفار الجميع في اوروبا وامريكا وروسيا ووضعهم في حالة تاهب قصوى لما يمكن ان يسببه انفلات الوضع هناك من اضرار، ربما يقود إلى حرب اهلية بين حلفاء روسيا وحلفاء امريكا، فهذا الدولة التي رات النور عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تختزن في داخلها الكثير من عوامل التفجير، ويكفي الاشارة إلى ان روسيا التي كانت تهيمن على الاتحاد السوفيتي السابق قتلت حوالي 682 الف شخص في أوكرانيا من بينهم حوالي 80 من النخبة، كتاب وادباء وصحفيين ومثقفين ومفكرين خلال 17 عاما، كما قتل نحو 1.5 مليون شخص ابان الثورة البلشفية و10 ملايين بسبب المجاعات اثناء الحكم السوفييتي مما حول أوكرانيا إلى منطقة كوارث ونكبات.
الوضع في أوكرانيا في غاية التعقيد فهي مقسمة بين غرب كاثوليكي يميل لاوروبا وشرق ارثوذكسي يميل تقليدا لروسيا، مع ان 78 في المائة من السكان الذين يبلغ عددهم 46 مليون نسمة، ينتمون إلى اصل اوكراني مع وجود أقليات كبيرة من الروس والبيلاروس والرومانيين، ومن هنا فان الصراع على أوكرانيا يمثل صراعا بين ثقافتين ودينين وتاريخ مليء بالدم والمجازر ومخزون كبير من الكراهية اضافة إلى المصالح التي تهم روسيا اكثر من دونها، فروسيا تعتبر أوكرانيا عمقها الاستراتيجي وبوابتها الرئيسية وهي تملك هناك الكثير من الضغط مثل الاقلية الروسية واتباع الديانة الارثوذكسية وانابيب الغاز وكثير من الديون واسطول البحر الاسود المتمركز في سيفاستوبول الاوكرانية، كما انها تستطيع ان تثير مشكلة انفصال شبه جزيرة القرم، ولهذا فان موسكو تعتبر ان ما يجري في أوكرانيا ليس اكثر من محاولة غربية لتقويض النفوذ الروسي هناك واخراج كييف من تحت عبائتها.
هذا الوضع الخطير دفع وزراء خارجية اوروبا إلى السفر على جناح السرعة إلى كييف لمنع انفجار الوضع بشكل لا يمكن ضبطه، مما يضع أوكرانيا على رقعة الشطرنج الدولية على الرغم من نفي الرئيس الامريكي باراك اوباما لذلك باستخدام عبارات صريحة بقوله ان لا يعتبر "أوكرانيا وسوريا بلدان على رقعة شطرنج الحرب الباردة"، لكن مجرد استدعاء سوريا إلى المشهد الاوكراني يعني انهما فعلا على رقعة الشطرنج، مما قد يؤدي إلى تقسيم أوكرانيا او تحويلها إلى دولة فيدرالية مكونة من شرق موالي لروسيا وغرب موالي لاوروبا، وهذا ما يمكن ان يسفر عنه تداعي اعضاء حزب الاقاليم الموالي لروسيا للاجتماع من اجل تشكيل "قوات مسلحة"، وهو ما دفع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتن والامريكي باراك اوباما إلى اجراء اتصال هاتفي طويل، قالت الخارجية الامريكية انهما دعيا إلى سرعة تنفيذ الاتفاق بين الرئيس الاوكراني والمعارضة وعدم اللجوء إلى العنف ودعم الاقتصاد الاوكراني واعادتها إلى سكة السلام.
هل تقايض موسكو وواشنطن كل من أوكرانيا وسوريا بحيث يبتعد الغرب عن بوابة روسيا في حين يترك الروس سوريا لامريكا والغرب؟ كل شيء ممكن، مع ان الوضع معقد جدا في سوريا، فروسيا ليست هي اللاعب الوحيد، او الاقوى هناك، فقد اثبتت ايران انها تملك اقوى اوراق اللعبة ولديها ما يكفي من عناصر حزب الله "حالش" والمليشيات العراقية الشيعية والحرس الثوري، يزيد عددهم عن 40 الف مقاتل، مما يعني ان الصفقة يجب ان تشمل "أوكرانيا – سوريا – ايران" واعادة تقاسم مناطق النفوذ من جديد، ومنح ايران جزء من الكعكة الروسية الامريكية في سوريا والمنطقة، وهذا ما يجب ان ينتبه اليه العرب جيدا، فأوكرانيا قد تتحول إلى قضية عربية بامتياز.
hijjawis@yahoo.com
(الشرق القطرية)