انهم يخطئون ويتوبون .. !!
حسين الرواشدة
21-02-2014 02:15 AM
لا يوجد في الاسلام مبدأ لتأبيد الخطيئة ، او اشعار الانسان والزامه بوراثة الخطأ وتوريثه ، فالناس - وفق الرؤية الاسلامية - ليسوا ملائكة ، وانما خطاؤون وفضيلتهم في العودة عن الخطأ ، والتوبة الى الله ، والاجتهاد في الابتعاد عما نهى منه وحذر ، وعليه فان ابواب العودة عن الخطأ وتكفيره مفتوحة ، والتحرر من الذنوب متاح باستمرار ، والخطأ لا يسقط الحقوق وان كان يلزم المحاسبة والمساءلة ، لكنها محاسبة تتناسب مع كرامة الانسان وتليق بمكانته كخليفة للخالق عز وجل ، وتنظر بعين مفتوحة لحجم الخطأ ، وتداعيات العقوبة ، بل وتجعل الاصلاح هو الهدف.. والعودة الى الصواب والحق الغاية والسبيل.
من هنا يمكن ان نفهم الدعوة الى اصلاح الجناة ، واعتبارهم مجرد ضحايا احيانا يمكن تأهيلهم والتعامل معهم بمنظار انساني لا تحدده العقوبة ، على قساوتها احيانا ، الا باعتبارها وسيلة للتقويم ، كما نفهم - ايضا - المعالجات الاستباقية التي اقرتها الشريعة لتنفير الانسان من ارتكاب الجريمة ، والقواعد العقدية والاخلاقية والعبادية التي اشتملت على كل عناصر ومقومات الردع عن الوقوع في الخطأ ، فالاسلام - هنا - يحصن الانسان من ارتكاب الخطيئة ، ثم يضع له ما يحتاجه من معالجات ان وقع فيها ، ومن بينها التوبة.. هذه التي لها ضوابطها وشروطها المعضلة في كتب الفقه ، كما ان لها حقوقها والتزاماتها سواء على التائب او على مجتمعه.
في النظم الاخرى لا مكان للتوبة ، فالعقوبة هي التي تقابل الخطأ ، وفي الاديان الاخرى يظل الخطأ في رقبة مرتكبه ولا يتحرر منه حتى يموت ، اما في الاسلام فان التائب من الذنب كما لا ذنب له وفي القرآن الكريم اشارات كثيرة الى التوبة والتائبين تحض الانسان على الدعاء الى الله وتكفير الذنوب بشتى انواع العمل الصالح ، وعدم الاصرار على الذنب مهما كبر ، وعدم الحكم على المذنب بالكفر او الخروج من دائرة الملة ، وعدم معاملته الا بالتي هي احسن ، فلا شماتة ولا لعن ولا تعذيب الا في حدود ما قرره الشرع ، ولا اولوية لتطبيق الحدود الا اذا كانت ضمانات حقيقية لوجود بيئة اسلامية ، وحقوق موصولة ، ولم تتجاوز اعداد الذين طبقت عليهم مثل هذه الحدود اصابع اليدين ، فالهدف كما قلنا هو الاصلاح ، ومتى تحققت المهمة المطلوبة قبل العقوبة فلا مبرر لها ، اذ ان الستر واجب ، والتعامل في دائرة الكرامة الانسانية مقدم على كل شيء.
ما احوجنا اليوم ، افرادا ومجتمعا ، الى قراءة فقه التوبة في ديننا الحنيف ، والتبصر في موقفنا من الجناة والمنحرفين والمخالفين ، وتحرير صورة الاسلام من كثير مما اعتراها من تشويه مقصود كاد ان يحشرها في زاوية الحدود او العقوبات فقط.
(الدستور)