في اللغو الطائفي، يغيب كثير من الحقائق والمعلومات، ومنها أن القطيعة بين دمشق وحركة "حماس" لم تكن يوما قطيعة بين طهران و"حماس"، على رغم تضرر علاقة الطرفين كثيرا بسبب انحياز إيران لنظام الأسد. وهو ضرر لم يقتصر على تنظيم، بل بات مزاجا عاما في العالم العربي. والمطلوب اليوم إصلاح الضرر، وليس التراجع عن دعم الثورة السورية. وإيران تعرف أكثر من غيرها أن الأسد لن يبقى، وأنها لا تستطيع مواصلة الحرب المفتوحة.
انعقدت عدة لقاءات على أعلى مستوى بين "حماس" والإيرانيين، ولم يبق غير زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، إلى طهران. فهل يفعلها؟
الأوساط القيادية في الحركة تميل إلى إبقاء العلاقة في إطارها الحالي، بعيدا عن الإعلام. وترى أن الزيارة ستظهر وكأنها تأييد لمواقف طهران في سورية، لا في الصراع العربي-الإسرائيلي، وستخسر "حماس" أخلاقيا قبل أن تخسر سياسيا.
قد يكون ذلك صحيحا. لكن في المقابل، يمكن إيجاد حل وسط، من خلال زيارة يكون عنوانها مبادرة للحل في سورية، ووقف نزيف الشعب السوري، من دون أي تراجع في الموقف الداعم للثورة السورية. وقد سبق أن فعلتها تركيا. فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لم يتخل عن موقفه بدعم الثورة، لكنه فصل بين العلاقات مع إيران والعلاقة مع النظام السوري. وخلافا لما يردده إعلام التشبيح، وصف مرشد الثورة، علي الخامنئي، العلاقات مع تركيا بأنها في أحسن مراحلها. فلم لا يتكرر ذلك مع "حماس"؟
لا أوهام في ظل فشل "جنيف2". لكن لا بد من أن يسهم كل من يحب الشعب السوري في وقف المجزرة؛ سواء بدعم مجهود الثوار العسكري، أم بدعم جهود التسوية. ولا يمكن تحقيق تسوية من دون دور إيراني؛ فطهران هي الداعم الأساسي لنظام بشار، عسكريا وأمنيا واقتصاديا، ولن يبقى النظام يوما واحدا لو تخلت عنه طهران.
بعيدا عن الكسب السياسي السريع، عملت كل من "حماس" وحزب الله جسرا واسعا باتجاهين، عابرا لبحر الطائفية العميق في المنطقة. وكانت إيران بنظر أكثرية العرب مناصرا لهم في صراعهم ضد العدو الصهيوني. حتى بعد احتلال العراق والصراع المذهبي الحاد الذي غذته طهران، تمكنت إيران من كسب قلوب الأكثرية بعد موقفها في حرب تموز 2006، ومن بعدها حرب غزة.
بعد الثورة السورية وتورط إيران في حرب على الشعب السوري، تحطم الجسر، وامتد بحر الطائفية. "حماس" لم تستطع البقاء في دمشق، وكان قرار الرحيل من أصعب القرارات في تاريخ الحركة. فلا يوجد مكان يعوّض دمشق، لكن كل الخسائر تهون أمام تورط "حماس" في الدم السوري؛ سكوتا أو تواطؤا أو مشاركة. وفي حرب غزة الثانية، بدت صحة قرار الحركة بالرحيل؛ فقد تمكنت من خوض الحرب بعيدا عن دمشق.
في التفاصيل، حرص النظام السوري للحظة الأخيرة على تحييد الحركة، ولم تتعرض مكاتبها أو عناصرها، فضلا عن قيادتها، للمضايقة والاعتقالات. والتصفيات اللاحقة لم تكن بشكل مستهدف، بقدر ما هي في سياق الروتين اليومي للنظام. كان ذلك في سياق استراتيجية إيرانية واضحة لتحييد القضية الفلسطينية عن الثورة السورية.
زيارة مشعل قد تفيد القضية الفلسطينية وتفيد الشعب السوري، وترمم الجسور بين الطوائف. لكنها ستكون مضرة لو كانت بلا مبادرة لوقف المجزرة المفتوحة، أو بتوقيت سيئ. فلا يمكن لمشعل أن يزور طهران وحزب الله يستعد لاحتلال يبرود؛ ساعتها ستكون الزيارة دعما لحزب الله.
(الغد)