فشل ذريع كما هو متوقع في محادثات جنيف2 بين طرفي النظام والمعارضة السورية من إيجاد حل للازمة المندلعة منذ بداية عام 2011 ووقف حد لمعانات الشعب بأسرة ووقف حالة القتل والدمار الجارية.

أمريكا وجهت أصابع الاتهام لروسيا وحملتها المسؤولية الاساسية عن فشل المحادثات بسبب التمسك بشرط بقاء الرئيس بشار الاسد على الحكم، وهو الأمر الذي ترفضه تحديدا كافة الاطراف المعارضة بما في ذلك القوى الدولية.

بعد جنيف 2 إنطلقت التحليلات والتصورات للمرحلة القادمة للازمة السورية، وقد ركزت معظمها على عودة الافكار المبنية على الحلول العسكرية، على إعتبار ان محطة الحل السلمي في جنيف 2 قد فشلت للتو، وكان الرئيس الامريكي باراك اوباما قد اكد بنفسة على أن كافة الاحتمالات والحلول مطروحة بما فيها العسكرية في حال لم يتم التوصل الى حل سلمي للازمة السورية يستند على عدم وجود الرئيس بشار الأسد في الحكم خلال المرحلة الانتقالية.

سيناريو عسكري أمريكي غربي أخذ يردده ويتحدث عنه العديد من المراقبين والخبراء يتمثل بالتركيز على الجبهة الجنوبية لسوريا وتسخينها خلال المرحلة المقبلة من خلال السماح بتزويد المعارضة بالأسلحة والصواريخ المضادة المتطورة على إعتبار ان العاصمة السورية دمشق معقل الرئيس الاسد والمكان الرئيسي لكافة الأجهزة والمؤسسات السياسية والعسكرية لا تبعد عن الحدود الاردنية أكثر من 90 كلم وان هذه المنطقة الجنوبية المتمثلة بريف دمشق ومحافظات حوران تحديداً درعا جنوباً حتى لواء الرمثا شمال الاردن،هي: مناطق معارضة للنظام السورية بشدة، بإستثاءات بسيطة، ورغم ذلك إلا أن المراقبين والخبراء العسكريين قد تحدثوا عن اشكالية وصعوبات لتنفيذ هذا السيناريو ، تتعلق بوجود التنظيمات المتشددة وعلى رأسها جبهة النصرة، لذلك يتجه هذا الخيار او السيناريو على إيجاد دعم واضح وصريح لقوات الجيش الحر والمعارضة السورية التقليدية المسلحة واضعاف كافة القوى والتنظيمات المتشددة بما فيها "داعش" و"جبهة النصرة" على كافة الجبهات، واستخدام تلك القوات -المعارضة التقليدية المسلحة- الموالية لها في الداخل السوري للقضاء على التنظيمات المتشددة بالوكالة او حتى لو تطلب ذلك تفعيل تدخل قوات وإجهزة إستخبارات أجنبية للمساهمة في القضاء على هذه التنظيمات المتشددة في المستقبل كمرحلة اولى ثم تعزيز القوات المعارضة التقليدية المسلحة في مواجهة قوات النظام السوري .

من الواضح للجميع الآن،ان تواجد التنظيمات الدينية المتشددة خصوصاً "داعش" على الساحة السورية، يقع في المقاول الاول في مصلحة النظام السوري ، بل ان روسيا وايران والقوى المؤيدة للنظام جعلت تواجد التنظيمات الدينية المتشددة على الساحة السورية ذريعة منطقية لبقاء النظام رغم المجازر التي أُرتكبت وحجم الدمار الذي لحق بكافة المدن السورية، ولا نغفل بأن تركيا تتهم النظام السوري بانه أوجد تنظيم "داعش" لهذه الغاية، ومن هنا كان على الولايات المتحدة والقوى الغربية والأطراف الاقليمية المعارضة سحب وإزالة هذه الذريعة كمتطلب أساسي لتنفيذ هذا السيناريو.

النظام السوري مدرك تماماً للمرحلة التي سيواجهها بعد حنيف 2 وأن التركيز سينصب على الجبهة الجنوبية لسوريا في التصعيد العسكري والإستخباراتي مع القوى المحلية والأقليمية والدولية، لذلك زاد من حدة إنتقاداته وإتهاماتها للأردن، متهماً الأردن بتزويد المقاتلين في جنوب سوريا بالسلاح وتسهيل مرور المقاتلين المدربين في الاراضي الاردنية عبر حدوده الشمالية، وقد جاءت الإتهامات هذه المرة رسمية وصريحة من قبل المندوب السوري في الامم المتحدة بشار الجعفري ووزير الإعلام عمران الزعبي ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، حتى ان وزير الاعلام اتهم الاردن امام وسائل الإعلام الدولية بأنها دولة مقر وممر للمقاتلين المعارضين بدعم من قوى اقليمية ودولية، الأمر الذي رفضه الأردن وحاول أن يبرهن على عكسه عملياً على مدار الايام الماضية من خلال التشديد على عمليات التسلل من والى سوريا عبر حدوده التي تبلغ 370 كلم، وقد أصابت قوات حرس الحدود الأردنية العشرات من المتسللين المقاتلين من غير اللاجئين المدنيين وقتلت عدداً منهم منذ بداية الاسبوع الجاري وقد زعم البعض جراء ذلك بأن الاردن يسعى للتخلص من الجهاديين لديه.

الاردن يقع بين فكي كماشة، فهو يدرك تماماً انه ليس من مصلحته الإستراتيجية الدخول في مواجه مباشرة مع النظام السوري والقوى المؤيدة له ونقل جزء من الأزمة السورية في وجهها العسكري الى الداخل الاردني، لذلك هو يدعو بإستمرار الى حل سلمي إنتقالي للازمة السورية، وهذا ما يفسر التشديد الاردني مؤخراً على حدوده وضبط عمليات التسلل بحيث لا يسمح بأي انفلات على حدوده المباشرة مع سوريا.

من الناحية الأخرى، ورغم ان العديد من المراقبين والمطلعين يؤكدون بأن الاردن هي الدولة التي لها الكلمة الأولى على غالبية القوى والتنظيمات المقاتلة في الجنوب على الأقل من الناحية الإستخباراتية ومعرفة التطورات الجارية، إلا أن بعض التطورات ومجريات الأمور على حدوده لا تجري وفق إرادة مسؤولينه او حتى معرفتهم،وبالتالي يحرص المسؤوليين الأردنين الى موازنة الامور بالحد الذي لا يؤدي أيضاً الى استفزاز التنظيمات المتشددة في الداخل السوري وعناصر التيار السلفي الجهادي الأردني لديه وهم يؤيدون صراحةً جبهة النصرة وتنظيمات دينية أخرى متمركزة في الجنوب السوري، سيما وان غالبية المقاتلين الاردنيين الذين يتسللون الى الجنوب السوري لقتال النظام هم عناصر من هذا التيار ، حيث تشير المعلومات بوجود اكثر من 5000 عنصر جهادي سلفي في الاردن .

المرحلة المقبلة بعد جنيف2 ستكون استمراراً لآلة القتل والدمار في سوريا ومزيداً من اللاجئين في الداخل السوري والى الدول المجاورة، وسيكون التفكير ملياً بإيجاد مناطق آمنة للاجئين، والتفكير الدولي يتجه الى مناطق محايدة على الحدود يتم لجوء المدنيين لها تحت اشراف الامم المتحدة، والمنطقة المرشحة هي في الجنوب السوري منطقة "حوران وجبل العرب" ، ولكن من المستبعد أن يتم ذلك الإ بالإتفاق مع النظام السوري والقوى المؤيدة له أولاً والقوى المقاتلة مثل جبهة النصرة والجيش الحر في الجنوب التي ربما تستمع لتوجيهات بعض القوى الأقليمية والدولية المؤثرة عليها، في حين انه من المستحيل إقامة مثل هذه المناطق الآمنة في الوسط او الشمال السوري على اعتبار أن الفلتان الأمني وحالة الفوضى ووجود التنظيمات المتشددة التي لا تخضع لاي قرارات والتزامات دولية وإنسانية، وبالتالي عدم ضمان تعرض هذه المناطق إذا ما اقيمت لأية أعمال مخلة بالأمن وتهديد حياة المدنيين واللاجئين العزل.