ابو خليل يكتب : "الليبرالية" أعلى مراحل "العشائرية"
20-02-2014 12:19 AM
من المرجح أننا أمام موجة جديدة من النقاش حول كل من الليبرالية والعشائرية في تطبيقاتهما الأردنية.
وعند الكلام عن تطبيقات أردنية، فإن هذا يعني أن كلاً من المفهومين اتخذ في بلدنا سياقاً أو سياقات خاصة، بحيث تحولا مؤخراً إلى ثنائية شهيرة، ولكنها أردنية بامتياز.
في الواقع إن كلاً منهما يخفي خلفه، في التطبيق، موقفاً أعمق وأشمل من قضايا كبرى تتصل بالوطن والمجتمع والشعب والمصائر والبرامج... الى آخره.
أقصد أعمق وأشمل من الصورة التي يظهران بها أمامنا، وهذا يعني أن علينا عند مراقبة النقاش أو الاشتراك فيه، أن لا نرضخ للدلالات والمعاني المباشرة التقليدية، أو لنقل النموذجية، للمفهومين.
من المؤكد أن لدينا نسخة "محلية" من الليبرالية ومن العشائرية، ولدينا بالتالي، نسخة محلية من الليبراليين ومن العشائريين، ولو راقبنا السلوك السياسي أو الاقتصادي لمنتسبي كل من هذين الفريقين لوجدنا أنفسنا أمام خريطة عجيبة، غير أن فيها قدراً من الطرافة على كل حال.
من المؤسف أن أيام النقاش السابقة شهدت تصنيفاً غير محق، وذلك بجعل مفاهيم مثل الحداثة والاصلاح والتقدم والمساواة، وغيرها من المفاهيم ذات الدلالات الإيجابية، من نصيب "الليبرالية"، وبالمقابل، بجعل مفاهيم مثل التخلف والجمود والإقصاء والتفاوت وغيرها من المفاهيم ذات الدلالات السلبية، من نصيب "العشائرية". وأذكّر مرة أخرى أنني أستخدم المفهومين وفق المعاني الدارجة.
هذا التصنيف ظالم لجوهر النقاش، الذي هو في الواقع صراع حول موقفين؛ من قضايا كبرى منها السياسة والاجتماع والاقتصاد، وبما يشمل قضايا الهوية والوطنية والعدالة والموقف من العدو واستحقاقات الصراع معه... إلخ. ولحسن الحظ، أو لسوئه، أن أياً من طرفي هذا الصراع لم يوفق بإظهار ممثلين حقيقيين له، ولهذا تبدو الاصطفافات طريفة، ويتخذ النقاش شكل "المعايرة":
"أعرفك وتعرفني"، "كاشف طبتك"، "العشائر بريئة منك"، "إصلاحيو آخر وقت"، "منذ متى أنت إصلاحي؟"، "يا هامل الليبراليين"، "أنا ليبرالي وأعلى ما بخيلك اركبه"، وصولاً إلى "عد ارجالك وِارْد الليبرالية".
في تقديري أن نسختنا من الليبرالية قدمت نموذجاً رديئاً في السياسة والمجتمع والاقتصاد. وبمقدوركم مثلاً ان تستحضروا في أذهانكم سيرة أداء أبرز ليبراليينا: في الاقتصاد مثلاً، هم دمروا ما تم إنجازه خلال عقود في قطاعات تنموية هامة، وخاصة التعليم والصحة، وخربوا كل قيم وأخلاقيات العمل والانتاج تحت شعارات مزيفة (تذكرون مثلاً شعارات التنافس والانفتاح والشراكة في الاقليم وغيرها).
وفي السياسة الداخلية ساهموا في الدفع نحو استحضار دوائر انتماء أدنى كثيراً من العشيرة، وهم لم يترددوا في اللجوء إلى العشيرة واستثارتها عند الضرورة الشخصية، وانقسم الليبراليون فيما بينهم إلى "ليبرالي مَظْهور" وآخر "مقطوع من شجرة". وفي قضايا الوطن كانوا أول المطبعين مع العدو، ووقفوا ضد مقاومته، وكانوا ولا زالوا في طليعة المستعدين، وبروح ليبرالية عالية، للتسامح معه.
وحتى على مستوى العلاقات الاجتماعية، فقد شكل الليبراليون فيما بينهم عُصبة، كي لا نقول عصابة، يتماسك أعضاؤها عند غزو الخصوم، ولكنهم سرعان ما يفتكون ببعضهم عند توزيع الغنائم.
يقبل قسم من المنتسبين الى "الليبرالية" هذه التسمية، ولا يمانع الواحد منهم، من ان يوصف كليبرالي، في حين يمتنع قسم آخر منهم عن قبول التسمية بعد أن نجح خصومها في سنوات سابقة في تحويلها إلى شتيمة، لكن الليبراليين استفادوا من مفهوم "العشائرية البغيضة". ومن غير المفهوم لماذا لم ينشأ بالمقابل مفهوم "الليبرالية البغيضة"، أردنياً على الأٌقل؟
أما الطرف المقابل، فلا يقبل المنتسبون إليه تسمية "عشائرية"، ولكن للأسف، فإن القسم البارز منهم حالياً يقبل بأن تُقتصر قضيته على عنوان العشيرة وحده، مع أن جوهر صراعهم مع "الليبرالية الأردنية" يتجاوز هذا العنوان الى قضايا كبرى تغدو معها العشيرة مجرد تفصيل، وذلك بالطبع رغم أحقية الدفاع عنه، باعتبار أن الشعوب لا تعاب في طبيعة تكوينها الاجتماعي، بل عليها أن تفهمه وتطوره وتبني عليه.
يبدو أن هذا الفريق عاجز لغاية الآن عن تحمل عبء العناوين الكبرى الحقيقية، ولهذا اختار عنواناً فرعياً، ربما لسهولة التحشيد حوله.
النقاش الدائر جوهري، ولكنه للآن يخشى التعبير الواضح عن نفسه. إن وضوح العناوين بما يكفي لإيضاح علاقتها بلب الصراع، هو أمر في غاية الأهمية.. والله أعلم.