كلنا يعرف البيض.. تضع الكثير من الكائنات غير الثدييات بيوضها لتتكاثر وتحافظ على استمرارية بقائها..
الطيور.. الاسماك.. السلاحف.. وحتى الملكات في ممالك النحل.. والحشرات الدقيقة تضع بيوضا.. البعض يرقبها ويرعاها.. والبعض يهملها بعد دفنها.. لتفقص بعد ان تستكمل اجنتها دورة الحياة.
اعتاد الانسان ان يعتدي على بيوض الطيور والحيوانات الاخرى منذ الاف السنين.. استخدمها كمصدر غذائي غني بالبروتين والفيتامينات والدهون. ولم يأبه لآلام الامهات اللواتي يفجعن بمشاريع الحياة التي كان يجهضها الانسان وكل المعتدين.
في الوقت الذي تحاول فيه الطيور ان تحافظ على بيوضها وتحرسها كانت الكثير من الجماعات البشرية تحتفل بمواسم جمع البيض.. التي تحولت الى مهرجانات واعياد.
بيض السمك او الكافيار هو الآخر لم يسلم من الاذى فقد اصبح لندرته احد افخم المقبلات التي يمكن ان تقدم في الاحتفالات الامبراطورية والارستقراطية.. واليوم في الفنادق ولقاءات محدثي النعمة.
بعض الاغنياء الجدد اضافوا الكافيار الى موائدهم.. لا لشيء.. وانما للتعبير عن حجم ثروتهم وقدراتهم الشرائية من خلال غنى الموائد وتعدد وندرة الاطباق.
البعض تسكنه رغبة دفينة في الاعلان عن حجم ثرائه، فهم لا يفوتون فرصة الا ويستثمرونها في اقناع من حولهم بتطور ذائقتهم للطعام واللباس والموسيقى والقراءة والفن وغيرها من مظاهر الحياة الارستقراطية.
بيض الدجاج هو اكثر انواع البيض استهلاكا.. تزخر به موائد الفقراء والاغنياء على حد سواء.. اصبح الدجاج احد اهم الكائنات المنتجة لغذاء الانسان بعد ان تم تدجينه قبل ما يزيد على عشرة الاف عام.. اليوم هناك ما يزيد على 7مليار دجاجه تنتج ملايين الاطنان من البيض الذي يتم استهلاكه بعشرات الطرق.. وبمئات الاغذية والحلويات.
تاريخيا كانت بعض الجماعات تسحق قشور البيض وتضيفها للاطعمة وتتخلص منها خوفا من استخدامها في السحر.. او للاعتقاد ان لها علاقة بالارواح.
الإنسان ليس الوحيد الذي يعتدي على بيوض الكائنات الاخرى.. الطيور هي الأخرى تعتدي على بيوض بعضها.. والافاعي تدخل اعشاش الطيور.. والثعالب تدخل الى اقنة الدجاج.. وبعض الطيور المهاجرة وغير المهاجرة تنقض على بيوض السلاحف على الشواطئ الدافئه..
الانسان يصيد بعض انواع الاسماك في مواسم معينة ويعمل على فري مبايضها لاستخراج ملايين البيوض التي يتم نقلها او تعليبها لتنتقل الى موائد الاثرياء كاجود انواع الكافيار الذي يتمتعون في تذوقه مع رشفات النبيذ وبفات السيجار في الليالي الحمراء والبنفسجية.
في القرن الماضي اكتسبت ايران والاتحاد السوفيتي شهرة عالمية في انتاج وتصدير الكافيار الى بلاط الملوك وخزائن صناع المناسبات والموائد الملكيه والحفلات الاسطورية في اوروبا والعالم الجديد.
في قريتنا لم نكن نأكل البيض الا نادرا، كنا نلف البيضة المكسورة في شريطة مبللة ونضعها في جوف طابون الخبز لنحصل على بيضة مشوية او ربما محروقة غالبا ما نتقاسمها جميعا.
في كل صباح كنا نجمع البيض الصالح لنذهب به الى الدكانة المجاورة لنشتري بعض حاجياتنا الملحة لان البيض هو العملة الرسمية القابلة للتداول.. لكن تسعيرتها محكومة بالحجم.. اكثر مما هي وحدات محددة القيمة ثابتة السعر.. عند دكاكين القرية كان للبيض قيم مختلفة خاضعة للتفاوض.
في حالات نادره كنا نهدي البيض لاقاربنا من سكان المدينه في محاولة لرد بعض جمائلهم المتمثلة في استضافتنا اثناء العطل المدرسية او الزيارات التي قد تمتد لاسابيع... فللبيض البلدي مثل كل شيء بلدي نكهة خاصة.