لا أحسب أنني من الذين يستنكرون التذكر والاحتفال بمناسبات تبدو للكثيرين ضربا من الترف والدلع.. لا تخص سوى الذين تجاوزوا هموم الحياة الأساسية.. وأصبح لديهم متسع من الوقت والذهن و (فضاوة البال) ليحتفلوا بعيد الحب مثلا..
ولكنني أيضا لست مع التفاهة والرداءة والاحتفالات الساذجة وتبادل الورود والهدايا وما شابه من تسطيح وتسذيج للمعاني العملاقة والقيم السامية والنبيلة التي يحتفل بها.. لست مع أي سلوك يحط من قيمة القيمة.. ويقلل من معنى المعنى..وينزل من سمو ما هو سام.. ويشوه وجه الجمال.. ويحيل المعاني الراقية في تمظهرها الخارجي إلى ضرب من الهبل والفراغ..
وأول ما يحضرني فيما يسمى (عيد الحب) هو (الحب) ذاته.. بمعناه الأعمق الذي كرّمه الله عز وجل بأن اتخذ اسمه الأعظم والأجل الأكرم.. لفظ الجلالة ذاته (الله) من بعض أفعال الحب المطلق والسرمدي اللامحدود واللامتناهي .. ففعل (الله) في الأساس هو (لاه..يلوه) ومنه المصدر (الوله) بفتح اللام .. ومنه الصفة (الوله) بكسرها.. ومنه مخففا بما يتناسب مع البشر (الولهان) ومعنى الفعل (لاه) أي أحب حبا مطلقا لا مكان معه لأي قيمة هدامة فلا بغض ولا حسد ولا حقد ولا كراهية ولا عنصرية ولا تمييز .. من هنا يتبدى لنا (الحب) منطلقا لكل نبل وكل خير وكل عدل وكل إيثار وعطاء ورحمة ومودة .. منبع الوجود الخالص.. وعين الصفاء التي تمنح الحياة طعمها الحقيقي ومتعة الانوجاد.. والخروج من دائرة العدمية واللاغاية.. والوجود نفسه من درجات الحب ..فمنه (الوجد) والوجد أصغر من (الوله) بالضرورة. بالتالي فالوجود أصغر من الحب. فالحب حالة تستوعب الوجود.
***
(قد أفلح من زكاها..)
ما كان (الله ) جل جلاله ليقسم إلا بالعظيم من خلقه وما تتجلى فيه قدرة عجيبة ومعجزة.. وهو سبحانه حين يقسم بالنفس وعجائب تسويتها (ونفس وما سواها).. ثم يقرر أنه (قد أفلح من زكاها..).. لكأنما يخبرنا عن أمر نادر أو على الأقل ليس كثير الوجود.. ليضع (تزكية النفس) أي ترفيعها والاعتلاء بها والسمو معها عن كل ما هو هدام..لكأنه سبحانه الذي أقسم بمختلف الأزمنة ( والعصر إن الإنسان لفي خسر.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. وتواصوا بالحق.. وتواصوا بالصبر) فهم إن تواصوا حقا وصدقا فقد زكوا أنفسهم على مدار ما يقسم به تعالى أيضا (والفجر) (والضحى والليل) (والشمس وضحاها) (والليل إذا يغشى) (والنهار إذا تجلى).. لتدور تزكية النفس دوران الأفلاك والليل والشمس والنهار والضحى والفجر حتى لا تتوقف لتصل إلى طهر نقاء ما يقسم به أيضا حين يقول (والتين والزيتون) لتغدو (النفس المزكاة ) التي أقسم بها .. في صفاء الزيت المبارك الذي أقسم به أيضا.. والذي كان وقت التنزيل أداة الإضاءة.. فمثلما يضيء الزيت في سراجه.. يضيء الحب سراج النفس التي خرجت من عتمة الصغائر وزكت.. بنضارة (التين والزيتون) عند ندى (الفجر).. فلا عجب بعدها أن جعل سبحانه تمثيل نوره جل جلاله (كمشكاة فيها مصباح) إلى( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.. نور على نور) وزيت النفس المزكاة بلا شك هو الحب.. ذاك الذي يجعل منها نورا على نور..
تزكية النفس إذا.. هي غسلها من البغض والحسد والكراهية.. والذهاب بها إلى مواقع الحب مطلقا.. وعتقها من الهبوط والدنو.. لتنطلق إلى فضاء الله الأرحب الذي يجعلها تزهد بما في أيدي الناس.. تزكية النفس هي أن يرى الجميل من هو أجمل منه والجميلة من هي أجمل منها.. فيفرح.. ويرى العليل السليم فيفرح .. ويرى المستور الغني فيفرح .. ذاك هو فقط من زكى نفسه وضبط مفاتيح هواها .. وهو بذلك لن يرى أجمل مما هو فيه.. رغم كل ما حوله من تفاوت.. فيبيت قرير العين.. لا يرى في الوجود من هو أحسن منه نعمة.. هناك..وهناك فقط.... يستطيع أن ينظر في المرآة صباحا.. ليقول لنفسه بصدق وعفوية دون أن يخدعها: خميس بن جمعة.. كم أنت رائع.
http://atefamal.maktoobblog.com/