مَروانُ يا وَلَدي .. ظَلَمْناكَ
محمد حسن التل
19-02-2014 03:06 AM
.. وأنت تمضي في الصحراء يا مروان يا ولدي.. يكاد الخوف والرعب يقتلانك،
أين كانت في تلك اللحظات أمّتك، وهي تنظر إليك ولأقرانك بدم بارد، وبصائر عمياء، وضمائر ميتة منذ أربعة أعوام ، حيث انفلت عقال الصراع في سوريا دون رحمة ؟!. كنا نائمين جميعاً متدثرين في فراشنا، متخمين على امتداد مساحة الهزيمة، وأنت هائم على وجهك في صحراء لا ترحم سنواتِ عمرك الاربع، وضعفَ جسدك الذي زادته الحرب وزاده التشرد ضعفاً.
ترى ماذا كان يدور في رأسك الصغير يا ولدي، وأنت وحيداً تبحث عن الأمان بين خيوط العتمة القاتلة، وأصوات الوحوش الهادرة؟.
مروان طفل سوري تاه في الصحراء، عن أهله الهاربين من هول الصّراع في بلادهم، بقي لأيام وحيداً هائماً على وجهه، حتى قيّض الله تعالى له من ينقذه، ومثل مروان آلاف الأطفال السوريين الذين ظلمتهم الحرب في سورية، وطحنتهم الصراعات المحمومة هناك، بين كلّ الأطراف، على كرسي الحكم، وظلمناهم كأمّة حين صمتنا عن الموت المنفلت عقاله هناك، منذ سنوات وتَعسْكُرنا مع هذا الطرف وذاك في الصّراع، والشّام تغرق بدماء أطفالها، وتبكي على شعب عزيز ذلّه اللجوء ولوّعه القتل الحرام.
لا يستحق السوريون منّا كل هذا الجحود، فهم شعب ما ندبتهم أمّتهم يوماً منذ فجرها إلا ولبوا، وظلت صدورهم سدوداً منيعة دفاعاً عن الجميع دوما، ولكننا اليوم تركناهم لجنون الصراع المحموم، بين فرقاء لا يراعون حرمة وطن، ولا طفل، ولا امرأة ولا مسنٍّ، ولا يراعون تدمير حضارة صنعت التاريخ، ووجهته لقرون طويلة.
الطفل مروان بمأساته شاهد حي على جريمة، تشارك فيها أمّة بكاملها، تنهش جسد الشام. وعلى امتداد خارطة الجراح، تذكّرنا مأساة مروان وأقرانه السوريين، بأطفال فلسطين الذين يولدون ويشبون على الموت والدمار، والاعتقال وسوط الجلاد، تُرى كم طفلا فلسطينيا تاه عن أهله ولم يجدهم؟! وكم طفلا قُتل هناك ظلماً؟ وكم منهم عُذّب في سجون اليهود الذين يرون في كل طفل فلسطيني عدوا لهم، كما كان يرى فرعون كل طفل يهودي عدوا له، وكأنني بأطفال فلسطين يدفعون ثمن كل سواد التاريخ، بأرواحهم وأجسادهم دون رحمة من عدوهم وأمتهم، التي تركتهم لعدو لا يعرف الرحمة، لطفولة لا حول لها ولا قوة، وأطفال فلسطين الذين يحاكون بمأساتهم أطفال سوريا، والعراق ولبنان، الذين يصحون وينامون على دوي الانفجارات ورائحة الدم الحرام، وكل أطفال الأمة المحاصرين بالموت والجوع والرعب، ستنتصب دماؤهم بين يدي ربهم يوم الحساب الاكبر، عامود نار يلفح لهيبها وجه كل من تآمر عليهم، وكل من صمت على ذبحهم، فالطفولة عند ربها أمر عظيم، فعرش الرحمن يهتزُّ غضبا لوجع طفل وظلمه وبكائه.
ربما لم تكن قصة مروان حقيقية بكامل تفاصيلها، ولكنّها في الواقع تملك كل الحقيقة بالإشارة إلى واقع مظلم لأطفال الأمّة، الذين يدفعون ثمن التّطاحن والصّراع على امتداد عقود طويلة من التيه والضياع، لأمة كانت سيدة لنفسها ومالكة لقرارها، والسؤال الكبير الذي يُطرح اليوم في وجه العالم المتحضّر، إلى متى ستظلّ الطفولة العربية مستباحة، ودمها مهدورا، ومحرومة من أبسط حقوقها؟ في وقت يتباهى فيه هذا العالم، بأنه وصل إلى أقصى درجات الحفاظ على الطفولة وحقوقها ، أم أنّ أطفالنا ليسوا بوارد هذا العالم الذي يدّعي الحضارة؟!!
مروان يا ولدي... ويا كل أطفال الأمة... ستشهدون غداً أمام ربكم والتاريخ، على أبناء جلدتكم كما عدوكم الذين شاركوا في ظلمكم وصناعة مأساتكم.
(الدستور)