"باسم سكجها " .. كاتب عصي على القبض .. !! بقلم د.معين المراشده
18-02-2014 04:12 AM
منذ ثلاثين عاما ونيف وأنا أتتبع واتابع باسم سكجها الصحفي ،والكاتب،والروائي ،والباحث والمحاور.. وخلال هذا الاسبوع الأخير وحتى هذه اللحظة حاولت مرارا وتكرارا الدخول الى عالمه ..لكني أعترف بعجزي عن تحقيق ذلك ..رغم كل المحاولات ،نهارية كانت أم ليلية ..وذلك بسبب تعدد المشاهد في شخصيته.
وجدت عالم باسم سكجها متحركا شاسعا حد الوحشة ..ممتلئا حد الاضطراب والفوضوية أحيانا..وجدت باسم هذا الصحفي والكاتب والأديب وأحيانا الشاعر.. مسكون بالثورة والانكفاء ،بالايمان والشك،بالتمرد والوداعة، بالصلابة والانكسار ،بالثقة والاهتزاز ،بالرحابة والانغلاق ،بالحياة والموت ..فاحترت من اي مشهد في حيات هذا الكاتب العصي على القبض يمكن الدخول الى عالمه.
حقا ...سألت نفسي كيف يمكن الدخول الى عالم باسم ..؟ هذا العالم المتحرك والصاخب والممتلىء بالحركة والثارات والثورة والنبض والعشق والحياة...هذا العالم الذي لم يستقر على حال ..لكن وجدت باسم في كل حاله وفي كل مشهد ،الانسان والكاتب والأديب الذي يمثل نفسه أصدق تمثيل ،فبقدر ماوجدته رقيقا كما النسيم وجدته عاصفا كما الريح،وبقدر ماوجدته عذبا مثلما الماء، وجدته حارقا كما النار،وجدته كاتبا وأديبا حقيقيا وفنانا حقيقيا مسكونا بالجدل والعشق...وجدته رائدا يمتلك تعويذة الريادة اللاهبة ..تماما مثل كل الرواد في التاريخ الانساني ،الأدبي وغير الأدبي ..اولئك الذين يخترقون جدران التكلس والبلادة،الى بؤر النار والتوهج فيغمسون قلوبهم وعقولهم وأصابعهم ..ويحرقون بهذا الانغماس كل الاصنام سواء تلك المصنوعة من الحجر او التمر...
وجدته يتحسس طريقه بعقل ارتفع فوق المسلمات الموروثة والأصنام الحجرية ..وبقلبه الرقيق حد الشفافية والبكاء ، وجدته يلامس قناعات هذا العقل في كتاباته ورواياته وأبحاثه...
وجدته أحيانا وكنتيجة طبيعية لقسوة الواقع الاجتماعي والسياسي الذين مرت ومازالت تمر بهما الأمة ..منكفئا على ذاته ومضطربا حد التناقض مع هذه الذات ومع قناعاته الراسخة والأكيدة ، لكن وجدت هذا الانكفاء وهذا الاضطراب هو انكفاء الفنان ،واضطرابه ،انكفاء البطولة الفردية الرومانسية ، أمام قسوة الواقع وبلادته...والذي سرعان ماينفلت منها الفنان الحقيقي ، ليعاود مسيرته وليواصل تمزيق الشرنقة وتحطيم الأصنام..
وجدت عالم باسم سكجها الكتابي والأدبي لايبتعد كثيرا عن عالم باسم سكجها الانسان ..بل لعلهما عالم واحد، يستحيل فصل الواحد منهما عن الآخر ...فحياته وجدتها هي كتاباته ،وكتاباته هي حياته، ولعله بهذا من بين الأدباء والكتاب القلائل الذين لاتجد ثمة فجوات بين حياتهم ومواقفهم من جهة وكتاباتهم من جهة اخرى ...وجدت باسم قد عاش كتاباته قبل أن يكتبها ..ولشدة صدقه جاءت هذه الكتابات مشاهد حية نابضة يكاد باسم سكجها أن يُبعث من بين سطورها..
باختصار ..وجدت باسم سكجها كعرار والخيام ،واضحا كالحقيقة المزعجة ،جارحا كالسكين ،حصانا مستحيلا يتأبى على الترويض ...وثلاثتهم بقدر ماتتشابه طيور الحرية، وفراشات الوادي ..وحقول القمح وعناقيد الغضب ، يشبهون عروة بن الورد، ولوركا ،ونيرودا، والسياب ، وابراهيم طوقان ، وأحمد فؤاد نجم.