لا أود أن أكتب عن الفساد أو عن الفاسدين الناهبين لأموال الشعب.. ولا عن الجالسين على الكراسي دون حق أو عن ألاف المتقاعدين الذين يتقاضون مبالغ خيالية شهرياً من أموال الشعب، علماً بأن الأغلبة منهم لا يستحقونها.. ولا أود أن أكتب عن الواسطة والمحسوبية التين ما زالتا مستشريتان في جسم مجتمعنا.. ولا أود أن أكتب عن الحيتان الذين يتحكمون بسعر البيضة والدجاجة الذين أثروا ثراءاً فاحشا دون حق أيضاً والمواطن يلهث وراء رغيف خبز وحبات من البندورة والبطاطا لإطعام أولاده يلهث وقد يتعب ولا يجد.. ولا عن الغلاء الذي أتعب الكثيرين.. ولا عن النفاق الإجتماعي كالنعي اللافت للأثرياء بالصحف.. أو أكتب عن وعن وعن الخ!!

إن الذي أود الكتابة عنه هو قرار المسئولين كأمين العاصمة ورؤساء البلديات وغيرهم من بعض النواب إزالة كافة البسطات والباعة المتجولين بهدف تنظيم مرافق الأسواق بما يضمن إنسيابية حركة المرور وتوفير أجواء مريحة للمواطنيين في عملية تسوقهم.. وجاء في التقارير التي صدرت عن المسؤلين، بأن حملة إزالة البسطات هذه المرة تختلف عن سابقاتها من خلال ديمومتها واستمرارها إلى جانب عمليات المراقبة التفقدية اليومية لكافة الأسواق التجارية ، للتأكد من خلوها من كافة أنواع البسطات والباعة المتجولين. ساكتفي بنقل بعضاً من تصريحات المسؤلين،وأقول: ثمة أعداداً لا يستهان بها من المواطنيين تعمل إما في البيع من البسطات أو كباعة متجولين.. ويعيشون مما يجنونه من أرباح متواضعة ومنهم من يعيلون أُسرهم ويطعمون أطفالهم من عملهم .. أسأل المسئولين عن تلك الحملة، وعن منع تلك الأعداد ألتي تقدر بالأف من عملها.. وبعد تخريب بسطاتها وتدمير أو مصادرة عرباتها التي تقتات من دخلها ماذا سيفعلون بعد ذلك, هل سيجلسون في بيوتهم دون عمل.. وإذا ما جلسوا في بيوتهم من سيطعمهم أو من سيعيل أسرهم..؟ أم أنهم سيمارسون عمليات السرقة ليعتاشوا..؟ أم أنهم سيصيعون في الشوارع لا يدرون ماذا سيفعلون للخروج من مستقنع الفراغ والفقر والبطالة..؟

لقد قرأت منذ عقدين من الزمن تقريباً خبراً لفتني، وما يزال قابعاً في ذاكرتي، الخبر هو، ان رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، الملقبة بالمرأة الحديدية, عندما قرر ت حكومتها إزالة البسطات ومنع باعة العربات من التجول في الأسواق والشوارع، وبناءاً على توجيهات و طلب منها للمسئولين في حكومتها بجمع كل أصحاب البسطات والعربات..! ثم تم أرسالهم إلى أماكن متعددة ومتخصصة لتدريبهم على مهن مختلفلة كقيادة المركبات وكوي الثياب وصناعة الحلوى والطعام والطوب، ولمدة لا تزيد عن عام، مع صرف رواتب شهرية لهم لإعالة أنفسهم وعائلاتهم خلال مدة تدريبهم.. وبعد ذلك أضحى أصحاب البسطات والعربات في بريطانيا يرفدون الوطن بالعمل.. ويعيشون وأسرهم حياة كريمة.. أطرح ذلك الحل على رئيس حكومتنا وعلى أمين عاصمتنا وعلى المسئولين عن إزالة البسطات والعربات في كافة الأمكنة من أرض الوطنّ.. علهم يفعلون مع أصحاب البسطات والعربات ما فعلته تاتشر وحكومتها مع ألاف المواطنيين البريطانيين.. وأن يتم ذلك مع إزالة بسطات الأُردنيين وتدمير عرباتهم..! الإرتقاء بالوطن وبالمواطن غايتي فيما كتبت.