"غول ماكل الاقتصاد الأردني"؛ كان ذلك أحدث وصف يطلقه رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، على فاتورة الطاقة في الموازنة، والتي تمثل ما نسبته 20 % من الناتج المحلي الإجمالي. وسبق للنسور أن اعتبر كلفة الطاقة في الأردن "الثقب الأسود" في الموازنة، والذي يبلع موارد الخزينة، ويحمّلها ديوناً طائلة.
توصيفات رئيس الوزراء صحيحة، ويمكن للاقتصاديين أن يضيفوا المزيد عليها؛ إذ عندما تبلغ قيمة فاتورة الطاقة في بلد شحيح الموارد مثل الأردن أكثر من خمسة مليارات دولار في العام، فلا تتعجبوا إذا ما شاهدتم رئيس الوزراء يكلم نفسه.
لكن إذا كان "الثقب الأسود" في الفضاء آخذ في اتساع لا يتوقف، فإن المؤشرات تبشر بإمكانية سد ثقب الطاقة في الموازنة، ودحر "الغول" الذي ينهش بجسم الاقتصاد الأردني.
سنتان؛ أقل أو أكثر بقليل، ونعبر المرحلة الصعبة. هذا ما تكشف عنه خطط الحكومة، ومشاريع الطاقة المتوقع تنفيذها خلال الفترة المقبلة. وهي، على وجه الدقة، ثلاثة مشاريع.
الأول، ميناء الغاز الطبيعي في العقبة، والمتوقع إنجازه قبل نهاية العام الحالي. ويوفر الفرصة لاستيراد حاجة المملكة من الغاز لتوليد الطاقة واستخدامات الصناعة، وتعويض النقص في كميات الغاز المصري.
المشروع الثاني، ويكتسب أهمية استراتيجية، يتمثل في مد أنبوب للنفط من العراق لتصديره عبر ميناء العقبة، على أن يحصل الأردن من خلاله على ما مقداره 150 ألف برميل يوميا وبأسعار تفضيلية. المشروع أقرته منذ أيام الحكومة العراقية، ومن المتوقع طرح عطائه في غضون أسابيع. وبالإضافة إلى هذه الميزة، سيوفر المشروع فرص عمل كبيرة للأردنيين خلال وبعد تدشينه. هذا ناهيك عن أهميته في تعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين، بوصفه نموذجا لمشاريع التكامل الاقتصادي بين الدول العربية.
المشروع الثالث محلي، ويقوم على التوسع بمشاريع الطاقة المتجددة. وقد كشف رئيس الوزراء، أول من أمس، عن نية الحكومة منح عشرين رخصة لإنتاج الطاقة المتجددة هذا العام.
قبل مرور سنتين من الآن، لن نلمس أي فرق يُذكر على وضع فاتورة الطاقة. وفي موازاة خطة إلغاء الدعم تدريجيا عن أسعار الكهرباء، سيستمر نزيف "الطاقة" في الموازنة، وإن كان بمعدلات أقل مما هي عليه حاليا.
مع بداية العام 2016، سيبدأ "الثقب الأسود" بالانحسار بشكل محدود. وإلى ذلك الحين، يتوجب على الحكومة أن تتخذ أقصى ما يمكن من الإجراءات لترشيد استخدام الطاقة، وتخفيف العبء عن المواطنين والقطاعات الصناعية والتجارية، إلى أن نصل لمرحلة الاستقرار النسبي في قطاع الطاقة، وتأمين احتياجات السوق بأقل التكاليف.
السيطرة على فاتورة الطاقة تعني الكثير للاقتصاد الأردني؛ فهي تفتح الآفاق لتجاوز المعدلات الحالية المتدنية للنمو الاقتصادي، وضبط العجز، والحد من جنون المديونية، وتوجيه الموارد نحو أهداف التنمية.
ليس هناك من طريق أقصر لبلوغ الهدف؛ فقد فوتنا فرصا كثيرة في السابق، وتصرفنا في ملف الطاقة كما لو أننا دولة نفطية، تشتري وتبيع. كما أن بعض حكوماتنا تعامل مع هذا التحدي بخفة بالغة، حتى وصلنا إلى مرحلة كاد فيها "الثقب الأسود" يبلع البلاد وأهلها.
(الغد)