يقول الله عزوجل في محكم كتابه الكريم : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). صدق الله العظيم

مواطناً كان أو مسؤول، ، صغيراً كان أو كبير، أردنياً كان أو لم يكن ، موظفاً كان أو ما كان ليكن، داخل الأردن كان أو لن يكن، وبين فلسفات اللغة والكلام والإشارة والتلميح والتأكيد والنفي تضيع المعاني الحقيقة فلا يصبح للفاسد مكان ، فهو أي شخص عدا الشخص الذي يوجه دائماً أصابع الإتهام لفساد الغير !! فالمسؤول فاسد في نظر بعض المواطنين ، والمواطن فاسد في نظر بعض المسؤولين !! أم كبار الفاسدين فيعاتبون نظرائهم الصغار بانهم سبب الفساد ، أما صغار الفاسدين فحديثهم على أن الفاسدين الكبار هم من يجب أن يحاسب مقارنة مع فسادهم الصغير !! أم بعض الموظفين فأنه يرى من وجهة نظره الشخصية أن عمله الحكومي يستوجب التكريم وأن من حقه الحصول على العطايا والهدايا ...أم عن الفساد وأهله بين الداخل والخارج فالقصة تتطول فنصف فاسدينا في لندن وتورنتو وباريس ونيويورك ... !!

متطلبات قليلة يمكن أن تجعل من أي مواطن ولد ولادة طبيعية ونشأ نشأة طبيعية أن يصبح فاسداً لا بل قد يتعدى ذلك ليصبح جامعة في الفساد تخرج جامعته أفواجا من الفاسدين الذي ينتشرون هنا وهناك لينخروا في بنيان الوطن ، فيصبح الضرر واقعا حقيقيا وتتعالى بعدها الأصوات وتزداد الإتهامات والتكهنات ، وفي خضم تعدد الآراء والإجتهادات والإفتاءات تضيع الحقيقة !

لم يولد أي من الفاسدين فاسدا ، فالإختلاس والسرقة والإستغلال والإهمال الوظيفي والرشوة كلها من مخلفات مرض الفساد !! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفاسد يصنع صناعة يساهم في ذلك ضعف الوازع الديني والأخلاقي ليطل علينا بعد سنوات وقد تسبب في إحداث الضرر ولكن بعد فوات الأوان !!

نعم . إن بعض مواطنينا هم أهل للفساد لا بل مدرسة في الفساد فالغش في إمتحانات المدارس والجامعات والمعاهد هو نوع من أنواع الفساد ! وبيع قطع الغيار لأي مركبة كانت على أنها أصلية وهي غير ذلك هو من الفساد ! وخداع المرضى من قبل بعض الأطباء هو من الفساد !! والتلاعب في الأسعار من بعض التجار هو من الفساد !! وبناء الشقق السكنية الصغيرة والكبيرة بشكل غير قانوني والتحايل على أجهزة الدولة هو من الفساد !! والتحايل في العطاءات والمواصفات هو من الفساد !! وتعيين بعض الأشخاص الغير مؤهلين في مناصب عليا هو من الفساد !!

نعم . إن بعض موظفينا أنموذج للفساد فعدم الإنجاز والتراخي في العمل ، والتعامل بفوقية مع المواطن ، وقراءة الجرائد ، واللعب والضحك وعدم العلم بابجديات العمل والقوانين هو من أنواع الفساد.
نعم. إن بعض المسؤولين يمكن أن يؤلف كتاباً في فنون الفساد من إلتفاف على الوطن والمواطن وما العمولات الجانبية والرشاوي الخفية والملايين التي ذهبت هنا وهناك إلا جزء يسير من منظومة الفساد !

إن من الحكمة تغليب لغة الإيجابية في كافة المحافل والمناسبات فالوطن أحوج ما يكون لطاقاتنا الإيجابية ، لكن ومن شدة الألم وتعاظم المرض ومع إنقطاع الدواء الأمثل تغدو الحالة أكثر حرجاً وبكبرياء الجسم القوي تتنازل الهمم عن جزءٍ من مخزونها ومع تعاظم المرض تتلاشى الإيجابية لتخيم عليها السلبية !!

في الختام فإن الجميع متفقون على أن مكافحة الفساد التي يبحث عنها الوطن تنطلق من رؤية مفادها تعزيز مَواطن القوة في المجتمع على أساس الالتزام بالقيم والأخلاق والبناء على الإنجازات والسعي نحو الفرص المتاحة لأن تحقيق التنمية الشاملة وبناء الوطن القوي يعتمدان على الموارد البشرية المتسلحة بالعلم والتدريب والكفاءة والأخلاق التي ستمكّن من تجاوز التحديات والمعيقات بهمة وعزيمة وبالعمل الجاد المخلص لتحقيق الطموحات ومن أجل ردم منافذ الفساد بكافة أشكاله وأنواعه حتى يتسنى للجميع القيام بواجبهم الحيوي تجاه الوطن.